فعلى هذا إذا كانَ صَريحًا فهل يكونُ طَلاقًا أو فَسخًا؟ فيهِ قَولانِ:أحدُهُما: قالَهُ في «الأمِّ» و «الإِملاء» و «أحكام القرآن» أنه صَريحٌ في الطَّلاقِ، وبهِ قالَ مِنْ الصَّحابةِ عُثمانُ وعليٌّ وابنُ مَسعودٍ، ومِنَ الفُقهاءِ الأوزاعيُّ والثَّوريُّ وأبو حَنيفةَ ومالِكٌ، وهو اختِيارُ المُزنِيِّ، ودَليلُه قولُه تَعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] إلى قَولِه: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩]، ثمَّ قالَ بعدَه: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٠]. فلمَّا ذكَرَ الخُلعَ بينَ طلاقَينِ عُلمَ أنه مُلحَقٌ بهما، ولأنه لفظٌ لا يَملكُه غيرُ الزَّوجِ، فوجَبَ أنْ يكونَ طلاقًا كالطَّلاقِ، ولأنَّ الفَسخَ ما كانَ عن سَببٍ مُتقدِّمٍ كالعُيوبِ، والخُلعُ يَكونُ مُبتدَأً مِنْ غيرِ سَببٍ فكانَ طلاقًا؛ لأنه يَكونُ مِنْ غيرِ سَببٍ أَولَى مِنْ أنْ يكونَ فَسخًا لا يكونُ إلَّا عن سَببٍ، ولأنَّ الفَسخَ يوجِبُ استِرجاعَ البَدلِ كالفسخِ في البَيعِ، فلو كانَ الخُلعُ فَسخًا لَمَا جازَ إلَّا بالصَّداقِ، وفي جَوازِه بالصَّداقِ وغيرِه دَليلُ خُروجِه عنِ الفَسخِ ودُخولِه في الطَّلاقِ.والقَولُ الثَّاني: قالَه في القَديمِ أنَّه صَريحٌ في الفَسخِ، وبهِ قالَ مِنْ الصَّحابةِ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ وعبدُ اللهِ بنُ عُمرَ، ومِن التَّابعِينَ عِكرمةُ وطاوُسٌ، ومِن الفُقهاءِ أحمدُ وإسحاقُ وأبو ثورٍ، ودَليلُه قولُه تعالَى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ إلى قولِه: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] ثمَّ قالَ: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٠]. ووَجهُ الدَّليلِ مِنْ ذلك أنه لو كانَ الخُلعُ طلاقًا لَصارَ معَ الطَّلقتَينِ المُتقدِّمتَينِ ثلاثًا وحَرُمَتْ عليهِ حتَّى تَنكحَ زوجًا غيرَه، ولما قالَ بعدَه: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا﴾ -يعني الثَّالثةَ- ﴿فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾؛ لأنه قد طلَّقَها الثَّالثةَ وصارَ التَّحريمُ مُتعلِّقًا بأربَعٍ لا بثلاثٍ، ولأنَّ الفُرقةَ في النِّكاحِ تَكونُ بطلاقٍ وفَسخٍ، فلمَّا كانَتِ الفُرقةِ بالطَّلاقِ تَتنوَّعُ نَوعينِ: بعوضٍ وغيرِ =
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute