والجَهلِ بمَكانِه أو العلمِ به، وحاجةِ البِنتِ إلى النكاحِ إمَّا لعَدمِ النَّفقةِ، وإما لِمَا يُخافُ عليها مِنْ عَدمِ الصَّونِ، وإمَّا للأمرَينِ جَميعًا.
فاتفقَ المَذهبُ على أنه إذا كانَتِ الغَيبةُ بَعيدةً أو كانَ الأبُ مَجهولَ الوَضعِ أو أسيرًا وكانَتْ في صَونٍ وتحتَ نَفقةٍ أنها إنْ لم تَدْعُ إلى التَّزويجِ لا تزوَّجُ، وإنْ دعَتْ فتزوَّجُ عندَ الأسرِ وعندَ الجهلِ بمكانِه.
واختَلفُوا هل تزوَّجُ مع العلمِ بمكانِه أم لا؟ إذا كانَ بعيدًا، فقيلَ: تزوَّجُ، وهو قولُ مالكٍ، وقيلَ: لا تُزوَّجُ، وهو قولُ عبدِ الملكِ وابنِ وَهبٍ.
وأمَّا إنْ عُدِمَتِ النفقةُ أو كانَتْ في غيرِ صَونٍ فإنها تزوَّجُ أيضًا في هذه الأحوالِ الثلاثةِ، أعني: في الغَيبةِ البَعيدةِ وفي الأسْرِ والجَهلِ بمكانِه، وكذلكَ إنِ اجتَمعَ الأمرَانِ، فإذا كانَتْ في غَيرِ صَونٍ تزوَّجُ وإنْ لم تَدْعُ إلى ذلكَ.
ولم يَختلفُوا فيما أَحسبُ أنها لا تزوَّجُ في الغَيبةِ القَريبةِ المَعلومةِ؛ لمَكانِ إمكانِ مُخاطَبتِه، وليسَ يَبعدُ بحَسبِ النظرِ المَصلحيِّ الَّذي انبَنَى عليهِ هذا النَّظرُ أنْ يُقالَ: إنْ ضاقَ الوقتُ وخَشيَ السلطانُ عليها الفسادَ زوِّجَتْ وإنْ كانَ المَوضعُ قريبًا (١).