للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولمَّا لم يَكنْ أسهَلَ ولا أوفَقَ بالمَصلحةِ من أنْ تُجعَلَ إحدى المَصلحَتينِ مَضمومةً بالأُخرى أدخَلَ الشَّرعُ إحداهُما في الأُخرى.

ثم مسَّت الحاجةُ إلى تَعيينِ مَقاديرِ الزَّكاةِ؛ إذ لولا التَّقديرُ لفرَّطَ المُفرِّطُ، ولَاعتَدى المُعتَدِى، ويَجِبُ أنْ تَكونَ غيرَ يَسيرةٍ، لا يَجدونَ بها بالًا، ولا تَنجَعُ مِنْ بُخلِهم، ولا ثَقيلةً يَعسُرُ عليهم أداؤُها، وإلى تَعيُّنِ المُدةِ التي نَجني فيها الزَّكَواتِ، ويَجِبُ ألَّا تَكونَ قَصيرةً يَسرُعُ دَوَرانُها، فتَعسُرَ إِقامتُها فيها، وألَّا تَكونَ طَويلةً لا تَنجَعُ مِنْ بُخلِهم ولا تَدِرُّ على المُحتاجينَ والحَفظةِ إلا بعدَ انتظارٍ شَديدٍ، ولا أوفَقَ بالمَصلحةِ من أن يَجعلَ القانونُ في الجِبايةِ ما اعتادَه الناسُ في جِبايةِ المُلوكِ العادِلةِ في رَعاياهم؛ لأنَّ التَّكليفَ بما اعتادَه العَرَبُ والعَجمُ وصارَ كالضَّروريِّ الذي لا يَجِدونَ في صُدورِهم حَرجًا منه، والمُسلَّمِ الذي أذهَبَت الأُلفةُ عنه الكُلفةَ أقرَبَ من إجابةِ القَومِ وأوفَقَ للرَّحمةِ بهم (١).

أَحكامُ مانِعِ الزَّكاةِ:

إثمُ مانِعِ الزَّكاةِ الأُخرويُّ: مَنْ منَعَ الزَّكاةَ فقد ارتكَبَ مُحرَّمًا، وهو كَبيرةٌ من الكَبائرِ، وقد ورَدَ في القُرآنِ الكَريمِ، وأنذَرَ الرَّسولُ الكَريمُ مانِعي الزَّكاةِ بالعَذابِ الغَليظِ في الآخِرةِ، لِيُنبِّه بهذا الوَعيدِ القُلوبَ الغافِلةَ، ويُحرِّكَ النُّفوسَ الشَّحيحةَ إلى البَذلِ، ويَسوقَها بعَصا التَّرغيبِ والتَّرهيبِ إلى أداءِ الواجِبِ طَوعًا، وإلا سِيقتْ إليه بعَصا القانونِ وسَيفِ السُّلطانِ كَرهًا.

فقد رَوى البُخاريُّ عن أبي هُرَيرةَ قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ


(١) «حجة الله البالغة» (١/ ٤٩٧، ٤٩٩) للدهلويِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>