وقالَ ابنُ شاسٍ: فأما دَعواه الرَّدَّ على غيرِ مَنْ ائتمَنَه كدَعوى الرِّدِّ على وارثِ المالِكِ أو وَكيلِه، فلا يُقبَلُ إلا ببَينةٍ، وكذلك دَعوى وارثِ المُودَعِ على المالِكِ يَفتقرُ إلى البَينةِ أَيضًا، وسَواءٌ كانَ القَبضُ في جَميعِ هذه الصُّورِ الثَّلاثِ ببَينةٍ أو بغيرِ بَينةٍ (١).
جُحودُ الوَديعةِ:
اتَّفقَ فُقهاءُ المَذاهبِ الأَربعةِ على أنَّ المُودِعَ إذا طلَبَ الوَديعةَ فجحَدَها المُودَعُ بلا عُذرٍ ثُم أقَرَّ بها أو أقامَ ربُّها البَينةَ على أنَّه أودَعَه فإنَّه ضامِنٌ لها؛ لأنَّه بجَحدِه خرَجَ عن الاستِئمانِ فيها، فلمْ يَزلْ عنه الضَّمانُ بالإِقرارِ بها؛ لأنَّ يدَه صارَت يدَ عُدوانٍ، ولأنَّه مُكذِّبٌ لإِنكارِه الأَولِ ومُعتَرفٌ على نَفسِه بالكَذبِ المُنافي للأَمانةِ.
ولأنَّ العَقدَ لمَّا ظهَرَ بالحُجةِ فقد ظهَرَ ارتِفاعُه بالجُحودِ أو عندِه؛ لأنَّ المالِكَ لمَّا طلَبَ منه الوَديعةَ فقد عزَلَه عن الحِفظِ، والمُودَعُ لمَّا جحَدَ الوَديعةَ حالَ حَضرةِ المالِكِ فقد عزَلَ نَفسَه عن الحِفظِ فانفسَخَ العَقدُ، فبقِيَ مالُ الغيرِ في يدِه بغيرِ إِذنِه، فيَكونُ مَضمونًا عليه، فإذا هلَكَ تقرَّرَ الضَّمانُ.
(١) «عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة» (٢/ ٨٥٥)، ويُنْظَر: «شرح مختصر خليل» (٦/ ١١٥)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ١٣٣، ١٣٤)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٣٥٦).