رَضيتُ بذلك المَبيعِ، على أيِّ وَصفٍ كانَ؛ لأنَّه خِيارٌ ثبَت شَرعًا بالرُّؤيةِ، فكانَ عَدَمًا قبلَها، فلا يَصحُّ إسقاطُه قبلَها، بخِلافِ خِيارَيِ الشَّرطِ والعَيبِ؛ لأنَّهما ثَبَتا بقَصدِهما وشَرطِهما، ويَملِكُ فَسخَه قبلَ الرُّؤيةِ؛ لأنَّ الخِيارَ له.
ولا يَمنَعُ ثُبوتُ المِلْكِ في البَدلَيْنِ، لكنْ يَمنَعُ اللُّزومَ حتى لو باعَه مُطلَقًا، أو بشَرطِ الخِيارِ لِلمُشتَرِي، أو أعتَقَه، أو رَهَنَه، أو وهَبه، وسلَّم قبلَ الرُّؤيةِ لزِم البَيعُ، ولو شرَط الخِيارَ لِلبائِعِ أو عرَضه على البَيعِ لا يَلزَمُ قبلَ الرُّؤيةِ، ويَلزَمُ بعدَها؛ لأنَّه لَم يَتعلَّقْ به حَقُّ الغيرِ، لكنْ رَضيَ، والرِّضا قبلَ الرُّؤيةِ لا يُسقِطُ الخِيارَ.
بَيعُ ما لَم يَرَه:
ومَن باعَ ما لَم يَرَه، بأنْ وَرِثَ شَيئًا فلَم يَرَه حتى باعَه فلا خِيارَ له؛ لأنَّ النَّصَّ أثبَتَه لِلمُشتَرِي؛ خَوفًا مِنْ تَغيُّرِ المَبيعِ عَمَّا يَظُنُّه، ودَفْعًا لِلغَبنِ عنه، فلو ثبَت لِلبائِعِ لَثبَت خَوفًا مِنْ الزِّيادةِ على ما يَظُنُّه مِنْ الأوصافِ، وذلك لا يُوجِبُ الخِيارَ، ألَا تَرَى أنَّه لو باعَ عَبدًا على أنَّه مَريضٌ فإذا هو صَحيحٌ لزِمه، ولا خِيارَ له؟
وهذا الحُكمُ إذا باعَ عَينًا بثَمَنٍ (وهو البَيعُ العاديُّ)، أمَّا إذا باعَ عَينًا بعَينٍ (وهو المُقايَضةُ)، ولَم يَرَ كلُّ واحِدٍ مِنهُما ما يَحصُلُ له فله الخِيارُ.
وتَتحقَّقُ الرُّؤيةُ المَطلوبةُ بما يُوجِبُ العِلمَ بالمَقصودِ؛ لأنَّه بها يَحصُلُ العِلمُ بالمَبيعِ، ولا يُشترَطُ رُؤيةُ غيرِه؛ ولا يُكتَفَى بها وَحدَها، حتى لو رَأى سائِرَ أعضائِه دونَ ما هو المَقصودُ، كانَ باقيًا على خِيارِه.