للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّكنُ الثالِثُ: الصِّيغةُ:

اشتَرَطَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيَّةُ في الصَّحيحِ -كما هو قَولُ مُحمدٍ وأبي يُوسُفَ في إحدى الرِّوايتَيْن عنه- والشافِعيَّةُ في الأصَحِّ والحَنابِلةُ وهو مُقتَضى كَلامِ المالِكيَّةِ في القَرضِ الصِّيغةَ -وهي الإيجابُ والقَبولُ- ك: «أقرَضتُكَ هذا الشَّيءَ»، أو: «أسلَفتُكَ»، أو: «خُذْه بمِثلِه»، أو: «خُذْ هذا الشَّيءَ قَرضًا»، أو: «مَلَّكتُكَه على أنْ تَرُدَّ بَدَلَه».

ويُشترَطُ قَبولُ الإقراضِ -كسائِرِ المُعاوَضاتِ-، وهو أنْ يَقولَ المُستقرِضُ: «استَقرَضتُ»، أو: «قَبِلتُ»، أو: «رَضيتُ»، أو ما يَجري هذا المَجرى.

وقال الشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ: وشَرطُ القَبولِ المُوافَقةُ في المَعنى، كالبَيعِ، فلو قال: «أقرَضتُكَ ألفًا»، فقَبِلَ خَمسَمِئةٍ، أو بالعَكسِ … لَم يَصحَّ.

أمَّا القَرضُ الحُكميُّ فلا يُشترَطُ له صيغةٌ، كإطعامِ جائِعٍ وكِسوةِ عارٍ وإنفاقٍ على لَقيطٍ، كما نَصَّ على ذلك الشافِعيَّةُ (١).

ورُوِيَ عن أبي يُوسُفَ رِوايةٌ أُخرى، وهي مُقابِلُ الأصَحِّ عندَ الشافِعيَّةِ: أنَّ الرُّكنَ فيه الإيجابُ، وأمَّا القَبولُ فليس برُكنٍ حتى لو حلَف لا يُقرِضُ فُلانًا فأقرَضَه، ولَم يَقبَلْ، لَم يَحنَثْ عندَ مُحمدٍ، وهو إحدى الرِّوايتَيْنِ عن أبي يُوسُفَ، وفي رِوايةٍ أُخرى يَحنَثُ.

وَجهُ هذه الرِّوايةِ أنَّ الإقراضَ إعارةٌ، والقَبولَ ليس برُكنٍ في الإعارةِ.

وَجهُ قَولِ مُحمدٍ أنَّ الواجِبَ في ذِمَّةِ المُقرِضِ مِثلُ المُستقرِضِ؛ فلِهذا


(١) «مغني المحتاج» (٣/ ٣١)، و «الديباج» (٢/ ١٦٧، ١٦٨)، وباقي المَصادِر السابقَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>