وقال شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ ﵀ في «شَرحِ المُحَرَّرِ»: إذا أقرَضَه أو غَصَبه طَعامًا، فنَقَصتْ قيمَتُه، فهو نَقصُ النَّوعِ، والأنواعُ لا يُعقَلُ عَيبُها إلا بنُقصانِ قيمَتِها، فلا يُجبَرُ على أخْذِه ناقصًا، فيَرجِعُ إلى القيمةِ، وهذا هو العَدلُ؛ فإنَّ المالَيْنِ إنَّما يَتماثَلانِ إذا استَوَتْ قيمَتُهما، وأما مع اختِلافِ القيمةِ فلا تَماثُلَ، فعَيبُ الدَّينِ إفلاسُ المَدينِ، وعَيبُ العَينِ المُعيَّنةِ خُروجُها عن المُعتادِ (١).
بأيِّ شَيءٍ يُملَكُ القَرضُ؟
اختَلَف الفُقهاءُ في القَرضِ، هل يُملَكُ بالقَبضِ وإنْ لَم يَتصَرَّفْ فيه المُستقرِضُ أو لا يُملَكُ إلا بالاستِهلاكِ؟
فذهَب الحَنفيَّةُ في ظاهِرِ الرِّوايةِ والمالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ في المَذهبِ والحَنابِلةُ إلى أنَّ القَرضَ يُملَكُ بالقَبضِ، وإنْ لَم يَتصرَّفْ فيه المُستقرِضُ؛ لأنَّه عَقدٌ يَقِفُ التَّصرُّفُ فيه على القَبضِ فوَقَفَ المِلكُ عليه، كالهِبةِ؛ ولأنَّه لو لَم يُملَكْ بالقَبضِ لَامتَنَع عليه التَّصرُّفُ فيه.
وَجهُ ظاهِرِ الرِّوايةِ عندَ الحَنفيَّةِ أنَّ المُستَقرِضَ بالقَبضِ نَفْسِه صارَ بسَبيلٍ مِنَ التَّصرُّفِ في القَرضِ مِنْ غيرِ إذْنِ المُقرِضِ، بَيعًا وهِبةً وصَدَقةً وفي سائِرِ التَّصرُّفاتِ، وإذا تَصرَّفَ نَفَذَ تَصرُّفُه ولا يَتوقَّفُ على إجازةِ المُقرِضِ،
(١) نقلًا عن: «الإيمان والرد على أهل البدع» (٢/ ١٣).