لو أَوصَى مُسلمٌ بغَلةِ جاريتِه أنْ تَكونَ في نَفقةِ المَسجدِ ومُؤنتِه فانهَدَم المَسجدُ وقد اجتمَعَ من غَلتِها شَيءٌ أنفَقَ ذلك في بِنائِه؛ لأنَّه بالانْهِدامِ لم يَخرجْ من أنْ يَكونَ مَسجدًا، وقد أَوصَى له بغَلتِها، فتُنفقُ في بِنائِه وعِمارتِه، واللهُ ﷾ أعلَمُ (١).
ثانيًا: الوَصيةُ بكِتابةِ التَّوراةِ والإِنجيلِ:
صرَّحَ عامَّةُ الفُقهاءِ الشافِعيةُ والحَنابِلةُ في الأصَحِّ بعَدمِ صِحةِ الوَصيةِ بكِتابةِ التَّوراةِ والإِنجيلِ والزَّبورِ والصُّحفِ وما أُلحقَ بها؛ لأنَّها كُتبٌ مَنسوخةٌ، والاشتِغالُ بها غيرُ جائِزٍ لمَا فيها من التَّبديلِ والتَّغييرِ، وقد غضِبَ النَّبيُّ ﷺ حين رأى مع عُمرَ شَيئًا مَكتوبًا من التَّوراةِ.
وألحَقَ الماوَرديُّ بذلك كُتبَ النُّجومِ والفَلسفةِ، وألحَقَ القاضي حُسينٌ بذلك كِتابةَ الغَزَلِ؛ فإنَّها مُحرمةٌ.
ووَجهُ عَدمِ الصِّحةِ أنَّ الوَصيةَ شُرعَت اجتِلابًا للحَسناتِ واستِدراكًا لمَا فاتَ، وذلك يُنافي المَقصودَ؛ لأنَّ المَقصودَ من شَرعِ الوَصيةِ تَداركُ ما فاتَ في حالِ الحَياةِ من الإِحسانِ، فلا يَجوزُ أنْ تَكونَ من جِهةِ مَعصيةٍ وإنَّما تَكونُ من جِهةِ قُربةٍ كالفُقراءِ، أو مُباحٍ لا يَظهرُ فيه قُربةٌ كالأَغنياءِ.