للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعنًى أقَرُّوا عليه، فجازَ استِئجارُ الدَّارِ لَه. أصْلُهُ: إذا اكتَروْها لِذَبائِحِهم.

وَلأنَّ الإجارةَ وارِدةٌ على مَنفَعةِ البَيتِ، ولا مَعصيةَ فيه، وإنَّما مَعصيتُه بفِعلِ المُستَأجِرِ، وهو فِعلُ الفاعِلِ المُختارِ، فقَطَعَ نِسبَتَه مِنه؛ كَبَيعِ الجاريةِ لِمَنْ لا يَستَبرِئُها أو يَأتيها مِنْ دُبُرِها.

وَإنَّما قَيَّدَه بالسَّوادِ؛ لأنَّهم لا يُمكَّنونَ مِنْ إظهارِ بَيعِ الخُمورِ والخَنازيرِ في الأمصارِ؛ لِظُهورِ شَعائِرِ الإسلامِ فيها، بخِلافِ السَّوادِ، قال فُقهاءُ الحَنفيَّةِ: هذا كانَ في سَوادِ الكُوفةِ؛ لأنَّ أغلَب أهلِها أهلُ الذِّمةِ، فأمَّا في سَوادِنا فأعلامُ الإسلامِ فيها ظاهِرةٌ، فلا يُمكَّنونَ فيها أيضًا، وهو الأصَحُّ (١).

المَسألةُ الثالِثةُ: استِئجارُ المُسلِمِ لِبِناءِ كَنيسةٍ ونَحوِها، أوِ العَملِ فيها:

اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ عَملِ المُسلِمِ في الكَنيسةِ لِيَبنِيَها أو يَعمُرَها أو يَكنُسَها، ونَحوِ ذلك، هَلْ يَجوزُ له أو لا؟

فذهبَ جُمهورُ الفُقهاءِ، المالِكيَّةُ والشَّافعيَّةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه لا يَجوزُ لِلمُسلِمِ أنْ يَعمَلَ لِأهلِ الذِّمةِ في الكَنيسةِ نَجَّارًا أو بَنَّاءً أو غيرَ ذلك؛ لأنَّ في هذا إعانةً على المَعصيةِ، ومِن خَصائِصِ دِينِهمُ الباطِلِ، ولأنَّه إجارةٌ تَتضمَّنُ تَعظيمَ دِينِهم وشَعائِرِهم.

قالَ المالِكيَّةُ: لا يَجوزُ استِئجارُ المُسلِمِ لِبِناءِ كَنيسةٍ، أو يُؤاجِرُ نَفْسَه


(١) «الهداية» (٤/ ٩٤)، و «تبيين الحقائق» (٥/ ٢٩)، و «البحر الرائق» (٨/ ٢٣٠)، و «مجمع الأنهر» (٣/ ٥٣٣)، و «الدر المختار» (٦/ ٣٩٢)، و «مجمع الأنهر» (٤/ ١٨٧)، و «التجريد» للقُدوري (٧/ ٣٦٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>