اتَّفقَ العُلماءُ على أنَّ لفْظَ النِّكاحِ يُطلَقُ على العَقدِ وعلى الوَطءِ جَميعًا، إلَّا أنهُم اختَلفُوا في حَقيقتِه، هل النِّكاحُ حَقيقةٌ في العَقدِ مَجازٌ في الوَطءِ؟ أم حَقيقةٌ في الوَطءِ مَجازٌ في العَقدِ؟ أم هو حَقيقةٌ فيهِما معًا؟
فذهَبَ المالِكيةُ في قَولٍ والشَّافعيةُ في الصَّحيحِ عندَهم والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ النِّكاحَ حَقيقةٌ في العَقدِ مَجازٌ في الوَطءِ؛ كما جاءَ في القُرآنِ والأخبارِ، حتَّى قيلَ: لم يَرِدْ في القُرآنِ إلَّا له؛ ولا يَرِدُ على ذلكَ مثلُ قولِه تعالَى: ﴿حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٠]؛ لأنَّ المُرادَ العَقدُ، وشَرطُ الوطءِ في التَّحليلِ إنَّما ثبَتَ بالسُّنةِ، والعَقدُ لا بُدَّ منهُ، فمعنى قولِه تعالى: ﴿حَتَّى تَنْكِحَ﴾ حتَّى تَتزوَّجَ، أي يَعقدَ عليها، ومَفهومُه أنَّ هذا كافٍ بمُجرَّدِه، لكنْ بيَّنتِ السُّنةُ أنه لا عِبرةَ بمَفهومِ الغايةِ، وأنهُ لا بدَّ بعدَ العقدِ مِنْ ذَوقِ العُسيلةِ بقَولِه ﷺ:«حتَّى تَذُوقِي عُسَيلتَهُ».
حتَّى قالَ الإمامُ الزَّمَخشريُّ ﵀ وهو مِنْ عُلماءِ الحَنفيةِ-: لم يَرِدِ النِّكاحُ في القُرآنِ إلا بمعنى العَقدِ؛ لأنَّ كونَه بمَعنى الوطءِ مِنْ بابِ التَّصريحِ، ومَن أرادَ به الكِنايةَ عنه أتَى بلَفظِ المُلامَسةِ أو المُماسَّةِ.
وقالَ الرَّاغبُ: يَستحيلُ أنْ يكونَ النِّكاحُ حَقيقةً في الِجماعُ ويُكنَّى به عن العَقدِ؛ لأنَّ الجِماعَ يُستقبَحُ مِنْ ذِكره كما يُستقبَحُ مِنْ فِعلِه، والعَقدُ لا يُستقبَحُ -أي فلا يُكنَّى بالأقبَحِ عن غيرِه-، ولأنهُ يَصحُّ نفيُه عنِ الوطءِ؛ إذْ