اختَلفَ الفُقهاءُ في السَّكرانِ إذا ارتَدَّ في حالِ سُكرِه، هل تُعتبرُ ردَّتُه أم لا؟
فذهَبَ الحَنفيةُ والشافِعيةُ في قَولٍ والإمامُ أحمَدُ في رِوايةٍ إلى أنَّ الردَّةَ لا تَصحُّ مِنْ السَّكرانِ؛ لأنَّ الرِّدةَ تُبنَى على تَبدُّلِ الاعتِقادِ، ونَعلمُ أنَّ السَّكرانَ غيرُ مُعتقِدٍ لِما قالَ، ولأنَّ الإسلامَ والكُفرَ يَتعلَّقانِ بالاعتِقادِ المُختَصِّ بالقَلبِ؛ لقَولِ اللهِ تعالَى: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ [النحل: ١٠٦]، وليسَ يَصحُّ مِنْ السَّكرانِ اعتِقادٌ يَتعلقُ به كُفرٌ وإيمانٌ، فاقتَضَى أنْ يكونَ باطِلًا، ولأنه غيرُ مُكلَّفٍ، فلمْ تَصحَّ رِدتُه كالمَجنونِ، والدليلُ على أنه غَيرُ مُكلَّفٍ أنَّ العقلَ شَرطٌ في التَّكليفِ، وهو مَعدومٌ في حقِّه، ولهذا لم يَصحَّ استِتابتُه.
ولأنَّ أحكامَ الكُفرِ مَبنيةٌ على الكُفرِ كما أنَّ أحكامَ الإيمانِ مَبنيةٌ على الإيمانِ، والإيمانُ والكُفرُ يَرجعانِ إلى التَّصديقِ والتكذيبِ، وإنما الإقرارُ دَليلٌ عليهِما، وإقرارُ السَّكرانِ الذاهبِ العَقلِ لا يَصلحُ دَلالةً على التكذيبِ، فلا يَصحُّ إقرارُه (١).
(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ١٣٤)، و «شرح فتح القدير» (٦/ ٩٨)، و «البحر الرائق» (٥/ ١٢٩)، و «الدر المختار» (٤/ ٢٢٤)، و «الفتاوى الهندية» (٢/ ٢٥٣)، و «الحاوي الكبير» (١٣/ ١٧٥)، و «البيان» (١٢/ ٣٩)، و «المغني» (٩/ ٣١، ٣٢)، و «الكافي» (٤/ ١٥٥)، و «شرح الزركشي» (٣/ ٩٨).