قالَ الحَنفيةُ: يُشتَرطُ في الإِقرارِ الجِدّيةُ، فلذلك فالإِقرارُ الواقِعُ بطَريقِ الاستِهزاءِ والاستِخفافِ غيرُ صَحيحٍ. مَثَلًا لو قالَ أحَدٌ لآخَرَ:«إنَّك مَدينٌ لي بعَشَرةِ دَنانيرَ»، فأجابَه مُستَهزِئًا:«نَعَمْ»، أو قالَ:«خُطَّ كيسَكَ واقبِضْ» فلا يَكونُ مُقِرًّا.
كذلك لو قالَ أحَدٌ لآخَرَ:«أدِّ لي الدَّنانيرَ العَشرةَ التي في ذِمَّتِك»، فأجابَه الآخَرُ مُستَهزِئًا:«ستأخُذُها قَريبًا»، فلا يَكونُ إقرارًا، ولو قالَ شَخصٌ لآخَرَ:«لي عليك كذا»، فقالَ استِهزاءً:«نَعَم، أحسَنتَ»، فهو إِقرارٌ ويُؤاخَذُ به.
فإذا ادَّعَى المُقِرُّ بأنَّ إقرارَه استِهزاءٌ، وادَّعَى المُقَرَّ له بأنَّه كانَ جادًّا، واختَلَفا، لا يُصدَّقُ المُقِرُّ بادِّعاءِ الاستِهزاءِ بلا بيِّنةٍ، أي أنَّ مُجرَّدَ ادِّعاءِ الاستِهزاءِ غيرُ مَقبولٍ، وقَرينةُ هَزِّ الرَّأسِ غيرُ مُعتَبَرةٍ.
فإذا عَجَزَ المُقِرُّ عن إثباتِ الاستِهزاءِ يُصدَّقُ المُقَرُّ له بحَلِفِ اليَمينِ على عَدَمِ العِلمِ بكَونِ الإِقرارِ استِهزاءً (١).
الشَّرطُ الرّابِعُ: أهليةُ المُقَرِّ له لاستِحقاقِ المُقَرِّ به حِسًّا أو شَرعًا:
اتَّفَقَ فُقهاءُ المَذاهِبِ الأربَعةِ على أنَّه يُشتَرطُ في المُقَرِّ له أنْ يَكونَ أهلًا لاستِحقاقِ المُقَرِّ به لأنَّه حينَئِذٍ يُصادِفُ مَحَلَّه، وصِدقُه مُحتمَلٌ، فلو قالَ لهذه الدّابةِ أو دابةِ فُلانٍ -أو لهذا الحَجرِ- علَيَّ كذا، فلَغوٌ، لأنَّها ليسَت
(١) «درر الحكام» (٤/ ٨١)، و «حاشية ابن عابدين» (٨/ ١١٤).