للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحِكمةُ في النَّهيِ عن الحَلفِ بغيرِ اللهِ تَعالى أنَّ الحَلفَ يَقتَضي تَعظيمَ المَحلوفِ به وحَقيقةُ العَظمةِ مُختَصةٌ باللهِ تَعالى فلا يُضاهِي به غيرَه وقد جاءَ عن ابنِ عَباسٍ: لَأنَّ أَحلفَ باللهِ مائةَ مَرةٍ فآثَمُ خيرٌ مِنْ أنْ أَحلِفَ بغيرِه فأبَرُّ (١).

إلا أنَّ الفُقهاءَ اختَلفوا هنا في مَوضِعينِ:

المَوضعُ الأولُ: هل الحَلفُ بغيرِ اللهِ مُحرمٌ أو مَكروهٌ؟

اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ الحَلفِ بغيرِ اللهِ تَعالى هل هو مُحرمٌ أو مَكروهٌ؟ بعدَ اتِّفاقِهم جَميعًا على أنَّه إذا حلَفَ بغيرِ اللهِ وقصَدَ به اليَمينَ ويَعتَقدُ في المَحلوفِ به مِنْ التَّعظيمِ ما يَعتقِدُه في اللهِ أنَّه كافِرٌ (٢).

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والحَنابِلةُ في الصَّحيحِ وحُكيَ فيه الاتِّفاقُ على أنَّ الحَلفَ بغيرِ اللهِ تَعالى أو باسمٍ مِنْ أَسمائِه أو صِفةٍ مِنْ صِفاتِه مَنهيٌّ عنه ومُحرَّمٌ على الصَّحيحِ عندَهم لا يَجوزُ الحَلفُ به.

وفي قَولٍ عندَهم أنَّه مَكروهٌ تَنزِيهًا وقيلَ تَحريمًا.

قالَ الإمامُ ابنُ عبدِ البَرِّ : لا يَنبَغي لأحدٍ أنْ يَحلِفَ بغيرِ اللهِ، لا بهذه الأَقسامِ أو غيرِها، لإِجماعِ العُلماءِ أنَّ مَنْ وجَبتْ له يَمينٌ على آخرَ في حقٍّ قبِلَه، أنْ لا يَحلِفَ له إلا باللهِ، ولو حلَفَ له بالنَّجمِ والسَّماءِ والطارقِ، وقالَ: «نَويتُ ربَّ ذلك»، لَم يَكنْ عندَهم يَمينًا (٣).


(١) «شرح صحيح مسلم» (١١/ ١٠٤)، و «عمدة القاري» (٢٣/ ١٧٥).
(٢) «البحر الرائق» (٤/ ٣١١)، و «بدائع الصنائع» (٣/ ٧، ٨).
(٣) «التمهيد» (٥/ ٢٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>