القِسمُ الثالِثُ: أنْ يَسألَ ويَطلُبَ ويَتبيَّنَ له الهُدى ويَتركَه تَقليدًا وتَعصُّبًا أو بُغضًا أو مُعاداةً لأَصحابِه، فهذا أقَلُّ دَرجاتِه أنْ يَكونَ فاسِقًا، وتَكفيرُه مَحلُّ اجتِهادٍ وتَفصيلٍ؛ فإنْ كانَ مُعلِنًا داعيةً رُدَّت شَهادتُه وفتاويه وأَحكامُه معَ القُدرةِ على ذلك، ولم تُقبَلْ له شَهادةٌ ولا فَتوى ولا حُكمٌ إلا عندَ الضَّرورةِ كحالِ غَلبةِ هؤلاءِ واستِيلائِهم وكَونِ القُضاةِ والمُفتينَ والشُّهودِ منهم، ففي رَدِّ شَهادتِهم وأَحكامِهم إذْ ذاك فَسادٌ كَثيرٌ ولا يُمكنُ ذلك، فتُقبلُ للضَّرورةِ.
وقد نَصَّ مالِكٌ ﵀ على أنَّ شَهادةَ أهلِ البِدعِ كالقَدَريةِ والرافِضةِ ونَحوِهم لا تُقبلُ وإنْ صَلَّوْا صَلاتَنا واستَقبَلوا قِبلَتَنا.
قالَ اللَّخميُّ، وذلك لفِسقِهم، قالَ: ولو كانَ ذلك عن تَأويلٍ غلِطوا فيه.
فإذا كانَ هذا رَدَّهم لشَهادةِ القَدريةِ -وغَلطُهم إنَّما هو مِنْ تأويلِ القُرآنِ كالخَوارجِ- فما الظَّنُّ بالجَهميةِ الذين أخرَجَهم كَثيرٌ من السَّلفِ من الثِّنتَينِ والسَّبعينَ فِرقةً (١).
الحُكمُ إذا كانَ أغلَبُ الناسِ فُسَّاقًا:
قالَ الإِمامُ ابنُ القَيمِ ﵀: وعلى هذا فإذا كانَ الناسُ فُساقًا كلُّهم إلا القَليلَ النادِرَ قُبلَت شَهادةُ بعضِهم على بعضٍ، ويُحكمُ بشَهادةِ الأمثَلِ من الفُساقِ فالأمثَلِ، هذا هو الصَّوابُ الذي عليه العَملُ، وإنْ أنكَرَه كَثيرٌ من الفُقهاءِ بألسِنتِهم كما أنَّ العَملَ على صِحةِ وِلايةِ الفاسِقِ ونُفوذِ أَحكامِه وإنْ