ففي جَوازِ هذا وَجهانِ: أحدُهما -وهو أشبَه بقولِه-: يَجوزُ؛ لأنَّه لمَّا جازَ أن يَستخلِفَ إذا خرَجَ منها قبلَ تَمامِ صَلاتِه جازَ أن يَستخلِفَ إذا خرَجَ منها قبلَ تَمامِ صَلاتِهم، والوَجهُ الآخَرُ: لا يَجوزُ الاستِخلافُ عليهم، ويُتمُّونَ الصَّلاةَ فُرادَى؛ لأنَّ النَّبيَّ ﷺ وافَى مع المُغيرةِ بنِ شُعبَةَ وقد صلَّى عبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ ﵁ بالنَّاسِ رَكعةً، فصلَّى النَّبيُّ ﷺ رَكعةً، فلمَّا فرَغَ عبدُ الرَّحمنِ أتَمَّ النَّبيُّ ﷺ لنَفسِه ولم يَؤمَّ المُغيرةَ، فدلَّ على أنَّ الاستِخلافَ بعدَ فَراغِ الإمامِ غيرُ جائِزٍ (١).
قَضاءُ فائِتةِ الحَضرِ في السَّفرِ وعَكسُه:
اتَّفقَ فُقهاءُ المَذاهبِ الأربَعةِ على أنَّ مَنْ فاتَته صَلاةٌ في الحَضرِ فقَضاها في السَّفرِ لزِمَه الإِتمامُ؛ لأنَّ الصَّلاةَ تَعيَّنَ عليه فِعلُها أربَعًا فلم يَجزْ له النُّقصانُ مِنْ عددِها، كما لو سافَرَ، ولأنَّه يَقضي ما فاتَه وقد فاتَه أربَعٌ.
أمَّا إذا فاتَته صَلاةٌ في السَّفرِ فقَضاها في الحَضرِ، فذهَبَ الحَنابلَةُ والشافِعيةُ في الأصَحِّ عندَهم إلى أنَّه يَلزمُه الإِتمامُ احتِياطًا؛ لأنَّ القَصرَ رُخصةٌ مِنْ رُخَصِ السَّفرِ؛ فيَبطُلُ بزَوالِه، كالمَسحِ ثَلاثًا؛ ولأنَّها وجَبَت عليه في الحَضرِ، بدَليلِ قولِه ﷺ:«فَليُصلِّها إذا ذكَرَها»، ولأنَّها عِبادةٌ تَختلِفُ بالحَضرِ والسَّفرِ، فإذا وجَدَ أحَدُ طرفَيها في الحَضرِ غُلِّبَ فيها حكمُه، كما لو دخَلَت به السَّفينةُ البَلدَ في أثناءِ الصَّلاةِ، وكالمَسحِ.