للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّ هذه الأعذارَ تَمنَعُه من الجِهادِ، فأمَّا العَمى فمَعروفٌ، وأمَّا الأعرَجُ فالمانِعُ منه هو الفاحِشُ الذي يَمنعُ المَشيَ الجَيِّدَ والرُّكوبَ كالزَّمانةِ ونَحوِها، وأمَّا اليسَيرُ الذي يَتمكَّنُ معه من الرُّكوبِ والمَشيِ وإنَّما يَتعذَرَ عليه شِدةُ العَدوِّ فلا يَمنعُ وُجوبَ الجِهادِ؛ لأنَّه مُمكَّنٌ منه، فشابَهَ الأعوَرَ، وكذلك المَرضُ المانِعُ هو الشَّديدُ.

فأمَّا اليسَيرُ منه الذي لا يَمنعُ إمكانَ الجِهادِ كوَجعِ الضِّرسِ والصُّداعِ الخَفيفِ فلا يَمنعُ الوُجوبَ؛ لأنَّه لا يَتعذَّرُ معه الجِهادُ، فهو كالعَورِ (١).

وقالَ ابنُ رُشدٍ : وأمَّا على مَنْ يَجبُ؟ فهُم الرِّجالُ الأحرارُ البالِغونَ الذين يَجِدون ما يَغزون به، الأصِحِّاءُ إلا المَرضَى، وإلا الزَّمنَى، وذلك لا خِلافَ فيه (٢).

النَّوعُ الثانِي: الاستِطاعةُ الماليةُ: فلا يَجبُ الجِهادُ على مَنْ لا نَفقةَ له؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة: ٩١] ولأنَّ الجِهادَ لا يُمكِنُ إلا بآلةٍ، فيُعتبَرُ القُدرةُ عليها.

قالَ الحَنابِلةُ: فإنْ كانَ الجِهادُ على مَسافةٍ لا تُقصَرُ فيها الصَّلاةُ اشتُرطَ أنْ يَكونَ واجِدًا للزَّادِ ونَفقةِ عائِلتِه في مُدةِ غَيبَتِه وسِلاحٍ يُقاتِلُ به، ولا تُعتبَرُ الراحِلةُ؛ لأنَّه سَفرٌ قَريبٌ.


(١) «المغني» (٩/ ١٦٣).
(٢) «بداية المجتهد» (١/ ٢٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>