للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَوضعُ الثانِي: هل تَنعقِدُ اليَمينُ بالحَلفِ بغيرِ اللهِ تَعالى؟

اتَّفقَ فُقهاءُ المَذاهبِ الأَربعةِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ على أنَّ الإِنسانَ إذا حلَفَ بغيرِ اللهِ تَعالى-كما تَقدَّمَ- وحنِثَ لَم تَلزمْه الكَفارةُ؛ لأنَّها وجَبَت في الحَلفِ باللهِ تَعالى؛ صِيانةً لأَسمائِه وصِفاتِه تَعالى، وغيرُه لا يُساوِيه في ذلك.

ولأنَّ الحَلفَ بغيرِ اللهِ شِركٌ، وكَفارتُه: التَّوحيدُ؛ لحَديثِ: «مَنْ حلَفَ باللَّات والعُزَّى فليَقلْ: لا إلهَ إلا اللهُ» (١)، ولأنَّ الحَلفَ تَعظيمُ المَحلوفِ به ولا يَستَحقُّه إلا اللهُ تَعالى، وإذا لَم يَجزِ الحَلفُ بغيرِ اللهِ تَعالى لا يَلزمُه به كَفارةٌ لأنَّه ليسَ بيَمينٍ ولَم يَهتكْ حُرمةً مُنعَ مِنْ هَتكِها على التَّأبيدِ.

قالَ الإمامُ الماوَرديُّ : فإذا ثبَتَ أنَّ اليَمينَ بغيرِ اللهِ مَكروهةٌ، فهي غيرُ مُنعقِدةٍ، ولا يَلزمُ الوَفاءُ بها، ولا كَفارةَ عليه إنْ حنِثَ فيها وهو كالمُتفَقِ عليه (٢).

وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : ولا تَنعقِدُ اليَمينُ بالحَلفِ بمَخلوقٍ: كالكَعبةِ، والأَنبياءِ، وسائِرِ المَخلوقاتِ، ولا تَجبُ الكَفارةُ بالحِنثِ فيها،


(١) أخرجه البخاري (٦١٠٧)، ومسلم (١٦٤٧).
(٢) «الحاوي الكبير» (١٥/ ٢٦٣)، وينظر: «الاختيار» (٤/ ٦١، ٦٢)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ١٦)، و «اللباب» (٢/ ٣٨٤)، و «التلقين» (١/ ٢٤٨)، و «التاج والإكليل» (٢/ ٢٧٣، ٢٧٦)، و «شرح مختصر خليل» (٣/ ٥٣)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٢/ ٤٠١)، و «تحبير المختصر» (٢/ ٣٦٠)، و «البيان» (١٠/ ٤٩٤، ٤٩٥)، و «منار السبيل» (٣/ ٤١٢، ٤١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>