اتَّفقَ فُقهاءُ المَذاهبِ الأَربعةِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ على أنَّ المُودَعَ لا يَجوزُ له أنْ يُودِعَ الوَديعةَ عندَ أَجنبيٍّ لغيرٍ عُذرٍ وإنْ كانَ الأَجَنبيُّ أَمينًا إذ لمْ يَرضَ ربُّها إلا بأَمانتِه؛ لأنَّ الشَّيءَ لا يَتضمنُ مِثلَه، كالوَكيلِ لا يُوكلُ غيرَه، فإنْ أودَعَ الوَديعةَ عندَ أَجنبيٍّ صارَ ضامنًا لها؛ لأنَّه رضِيَ بيدِه لا بيدِ غيرِه، والأَيدي تَختلفُ في الأَمانةِ فضمِنَها كما لو نَهاه عن إِيداعِها، فإنَّه أمَرَه بحِفظِها بنَفسِه ولمْ يَرضَ لها غيرَه فصارَ ضامنًا، وذلك لأنَّ المُودَعَ مُراعى في الوَديعةِ، لاختِلافِ الناسِ في الحِفظِ والأَمانةِ، وقد يَرضى المُودِعُ بإِيداعِ مالِه عندَ شَخصٍ دونَ آخرَ، فإذا فعَلَ المُودَعُ ذلك ودفَعَ الوَديعةَ إلى أَجنبيٍّ فقد صارَ تارِكًا للحِفظِ الذي التزَمَه، مُستحفِظًا عليه غيرَه، فيَكونُ ضامِنًا لأنَّ المُودِعَ لمْ يَرضَ به فيَكونُ ضامنًا.
إلا أنَّ الفُقهاءَ اختلَفُوا في هذه الحالَةِ إذا أودَعَها عندَ أَجنبيٍّ لغيرِ عُذرٍ فضاعَت عندَه على مَنْ يَكونُ الضَّمانُ؟ هل على الأوَّلِ؟ أم له أنْ يُضمِّنَ أيَّهما شاءَ؟
فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ والصَّاحبانِ مِنْ الحَنفيةِ أَبو يُوسفَ ومُحمدٌ إلى أنَّ للمالِكِ تَضمينَ أيِّهما شاءَ، إنْ شاءَ ضمَّنَ الأَولَ وإنْ شاءَ ضمَّنَ الثانِي، فإنْ ضمَّنَ الأَولَ لا يَرجعُ بالضَّمانِ على الثانِي، وإنْ ضمَّنَ الثانِي يَرجعُ به على الأَولِ، وذلك لأنَّه