هل التَّغريبُ والنَّفيُ للرَّجلِ والمرأةِ؟ أمْ للرَّجلِ فقطْ؟
اختَلفَ الفُقهاءُ القائِلونَ بالتَّغريبِ، هل هذا عامٌّ في الرَّجلِ والمَرأةِ؟ أم خاصٌّ بالرَّجلِ دونَ المَرأةِ؟
فذهَبَ المالِكيةُ إلى أنَّ التَّغريبَ خاصٌّ بالرَّجلِ دُونَ المَرأةِ، فلا تَغريبَ على المَرأةِ؛ لقَولِه تَعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: ٢]. ولم يَذكُرِ التَّغريبَ، ولأنَّ التغريبَ في الرَّجلِ عُقوبةٌ لهُ لِيُقطَعَ عن وَلدِه وأهلِه ومَعاشِه، وتَلحقُه الذلَّةُ بنَفيهِ إلى غيرِ بَلدِه، وليسَ فيه ما في المَرأةِ مِنْ الحاجةِ إلى المُراعاةِ والحِفظِ ومَنعِ السَّفرِ، والمَرأةُ تَحتاجُ في حِفظِها وصِيانتِها إلى أكثَرَ مِنْ حاجَةِ الرجلِ، ففي تَغريبِها تَعريضٌ للهَتكِ الذي هو ضِدُّ الصِّيانةِ ومُواقعةِ مثلِ ما غُرِّبتْ مِنْ أجْلِه، وذلكَ إغراءٌ لا رَدعٌ وزَجرٌ، فامتَنعَ لهذا التناقُضِ إيجابُ التَّغريبِ على المرأةِ.
وممَّا يَدلُّ أنه لا نفْيَ على النِّساءِ قَولُه ﷺ:«لا تُسافِرُ امرأةٌ يَومًا ولَيلةً إلا معَ ذي مَحرَمٍ»، فإنْ أخرَجْتُم معَها ذا مَحرمٍ عاقَبْتُم مَنْ زَنا ومَن لم يَزْنِ، وهذا مُحالٌ، وإنْ قُلتُم:«إنها تُغرَّبُ وحْدَها» فقد خالَفْتُم الخبَرَ؛ لأنَّ النبيَّ ﷺ نهَاها أنْ تُسافِرَ وحْدَها.
جاءَ في «المُدوَّنة الكُبرَى»: (قُلتُ): أرَأيتَ البِكرَينِ إذا زنَيَا هل يُنفَيانِ جَميعًا الجارِيةُ والفتَى في قَولِ مالكٍ؟ أم لا نفْيَ على النساءِ في قولِ مالِكٍ؟ وهل يُفرَّقُ بينَهُما في النفيِ يُنفَى هذا إلى مَوضعٍ وهذا إلى مَوضعٍ آخَرَ؟ وهل يُسجَنانِ في المَوضعِ الذي يُنفَيانِ إليه في قولِ مالكٍ أم لا؟ (قالَ): قاَل مالِكٌ: لا نفيَ على النِّساءِ ولا على العَبيدِ ولا تَغريبَ، (قلتُ): فهل