وأمَّا المَعقولُ: فهو أنَّ العِباداتِ وجَبت لحقِّ العُبوديَّةِ، أو لحقِّ شُكرِ النِّعمةِ؛ إذ كلُّ ذلك لازِمٌ في المَعقولِ، وفي الحَجِّ إظهارُ العُبوديَّةِ، فلأنَّ إظهارَ العُبوديَّةِ هو إظهارُ التَّذلُّلِ للمَعبودِ، وفي الحَجِّ ذلك؛ لأنَّ الحاجَّ في حال إحرامِه يُظهرُ الشَّعثَ، ويَرفضُ أسبابَ التَّزينِ والارتِفاقِ، ويَتصورُ بصورةِ عبدٍ سخِط عليه مَولاه، فيَتعرَّضُ بسوءِ حاله لعَطفِ مَولاه ومَرحمتِه إياه، وفي حال وُقوفِه بعَرفةَ بمَنزلةِ عَبدٍ عصَى مَولاه فوقَف بينَ يَديْه مُتضرِّعًا حامِدًا له مُثنيًا عليه مُستغفِرًا لزَلَّاتِه مُستَقيلًا لعَثراتِه، وبالطَّوافِ حولَ البَيتِ يُلازمُ المَكانَ المَنسوبَ إلى رَبِّه بمَنزلةِ عَبدٍ مُعتَكفٍ على بابِ مَولاه، لائذٍ بجنابِه.
وأمَّا شُكرُ النِّعمةِ، فلأنَّ العِباداتِ يَكونُ بعضُها بَدنيًّا وبعضُها ماليًّا، والحَجُّ عِبادةٌ لا تَقومُ إلا بالبَدنِ والمالِ، ولهذا لا يَجبُ إلا عندَ وُجودِ المالِ وصِحةِ البَدنِ، فكانَ فيه شُكرُ النِّعمتَين، وشُكرُ النِّعمةِ ليسَ إلا استِعمالَها في طاعةِ المُنعِمِ، وشُكرُ النِّعمةِ واجبٌ عَقلًا وشَرعًا، واللهُ ﷾ أعلمُ (١).
وُجوبُ الحَجِّ على الفَورِ أو التَّراخي؟
اختلَف الفُقهاءُ في وُجوبِ الحَجِّ عندَ تَحقيقِ الشُّروطِ -الآتي ذِكرُها- هل هو على الفَورِ أو على التَّراخي؟ على قولَين:
(١) «اختلاف الأئمة العلماء» (١/ ٢٦٩).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute