للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّعوتَيْن جَميعًا؛ لِاتِّفاقِهما على أنَّه كان أمانةً؛ لأنَّ أحَدَهما يَدَّعي أنَّه أمانةٌ على سَبيلِ الوَديعةِ والآخَرَ يَدَّعي أنَّه أمانةٌ على سَبيلِ القِراضِ.

وإنْ قال رَبُّه: هو قِراضٌ، وقال العامِلُ: بل وَديعةٌ، فالقَولُ لِلعامِلِ؛ لأنَّ رَبَّه مُدَّعٍ على العامِلِ الرِّبحَ، وهذا إذا تَنازَعا بعدَ العَملِ وإلا فقَولُ رَبِّه كاختِلافِهما في الجُزءِ قبلَ العَدمِ (١).

وقال الحَنفيَّةُ: لو قال رَبُّ المالِ: «أخَذتَه غَصبًا»، وقال القابِضُ: «دَفعتَه وَديعةً»، يَضمَنُ القابِضُ كما لو قال المُودَعُ: «أخَذتُه وَديعةً»، وقال المالِكُ: «أخَذتَه غَصبًا» (٢).

١٠ - الاختِلافُ في رَدِّ رأسِ المالِ على المالِكِ:

إذا اختلَف رَبُّ المالِ والمُضارِبُ في رَدِّ رأسِ مالِ المُضاربةِ فادَّعى المُضارِبُ أنَّه رَدَّه على المالِكِ وأنكَره المالِكُ، اختلَف الفُقهاءُ هل يُقبَلُ قَولُ المُضاربِ أو قَولُ المالِكِ رَبِّ المالِ.

فذهَب الحَنفيَّةُ (٣) والشافِعيَّةُ في الأصَحِّ والحَنابِلةُ في قَولٍ إلى أنَّ القَولَ


(١) «المدونة الكبرى» (١٢/ ١٢٦، ١٢٧)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٣١٢)، و «التاج والإكليل» (٤/ ٤٣٧)، و «شرح مختصر خليل» (٦/ ٢٢٥)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٥٣٤).
(٢) «مجمع الضمانات» (٢/ ٦٦٢).
(٣) قال الكاسانيُّ في «بدائع الصانع» (٦/ ١٠٨): لو اقتَسما الرِّبحَ ثم اختَلفَا فقال المُضاربُ: «قد كنتُ دفَعتُ إليكَ رأسَ المالِ قبلَ القِسمةِ»، وقال ربُّ المالِ: «لَم أَقبضْ رأسَ المالِ قبلَ ذلك» فالقَولُ قولُ ربِّ المالِ، ويردُّ المُضارِبُ ما قبَضه لنفسِه تمامَ رأسِ المالِ يحتَسبُ على رأسِ ربِّ المالِ بما قبَض من رأسِ مالِه ويتمُّ له رأسُ المالِ بما يردُّه المُضارِبُ، فإن بقِي شيءٌ بعدَ ذلك ممَّا قبَضه المُضارِبُ كان بينَهما نِصفَينِ، وإنَّما كان كذلك لأنَّ المُضارِبَ يدَّعي أنَّها رأسَ المالِ، وربُّ المالِ ينكِرُ ذلك، والمُضارِبُ -وإن كان أَمينًا- فالقَولُ قَولُ الأمينِ في إسقاطِ الضَّمانِ عن نَفسِه لا في التَّسليمِ إلى غيرِه، ولأنَّ المُضارِبَ يدَّعي خُلوصَ ما بقِي من المالِ والرِّبحِ، وربُّ المالِ يَجحدُ ذلك فلا يُقبلُ قَولُ المُضارِبِ في الاستِحقاقِ.
فإن أقاما البَينةَ فالبَينةُ بينةُ المُضارِبِ؛ لأنَّها تُثبِت إيفاءَ رأسِ المالِ ولا يُقالُ: الظَّاهرُ شاهدٌ للمُضارِبِ فيما ادَّعاهُ من إيفاءِ رأسِ المالِ؛ إذِ الرِّبحُ لا يَكونُ إلا بعدَ الإيفاءِ إذْ هو شَرطُ صحَّةِ قِسمةِ الرِّبحِ؛ لأنَّا نَقولُ قد جرَت عادةُ التُّجارِ بالمُقاسَمةِ مع بَقاءِ رأسِ المالِ في يدِ المُضاربِ فلَم يكنِ الظَّاهرُ شَاهدًا للمُضارِبِ.
وذكَر ابنُ سماعةَ في نوادرِه عن أبي يُوسفَ في رَجلٍ دفَع إلى رَجلٍ ألفَ دِرهمٍ مُضارَبةً صَحيحَةً ثم جعَل ربُّ المالِ يَأخذُ الخَمسينَ والعِشرينَ لنَفقتِه والمُضارِبُ يَعملُ بالنَّفقةِ ويتَربَّحُ فيما يشتَري ويَبيعُ ثم احتَسبا فإنَّهما يحتَسبانِ برأسِ المالِ ألفَ درهمٍ يومَ يحتَسبانِ والرِّبحُ بينَهما نِصفانٍ، ولا يَكونُ ما أخَذ ربُّ المالِ من النَّفقةِ نُقصانًا من رأسِ المالِ ولكِنَّهما يحتَسبانِ رأسَ المالِ ألفًا من جَميعِ المالِ وما بقِي من ذلك فهو بينَهما نِصفانِ؛ لأنَّا لو جعَلنا المَقبوضَ من رأسِ المالِ بطَلت المُضارَبةُ؛ لأنَّ استِرجاعَ ربِّ المالِ رأسَ مالِه يُوجِبُ بُطلانَ المُضارَبةِ، وهما لم يَقصِدا إبطالَها فيجعَلُ رأس المالِ فيما بقِي لئلَّا يبطلَ هذا إذا كان في المُضارَبةِ رِبحٌ؛ فإن لم يَكنْ فيها رِبحٌ فلا شيءَ للمُضارِبِ؛ لأنَّ الشَّرطَ قد صحَّ فلا يَستَحقُّ إلا ما شرطَ -وهو الرِّبحُ- ولَم يُوجدْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>