للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعضُهم: تُقبَلُ، وقالَ بعضُهم: لا تُقبَلُ، فمَن قالَ: «تُقبَلُ» نظَرَ إلى وَقتِ الأداءِ، ومَن قالَ: «لا تُقبَلُ» نظَرَ إلى وَقتِ التحمُّلِ (١).

المَسألةُ الثالِثةُ: عَدالةُ الشُّهودِ:

اتَّفقَ الفُقهاءُ على أنَّ الشاهِدَينِ إذا كانَا عَدلَينِ فإنَّ النكاحَ صَحيحٌ.

إلا أنهم اختَلفُوا في صِحَّتِه إذا كانَا فاسِقَينِ، هل يَصحُّ بهما أم لا؟

فذهَبَ الحَنفيةُ والحَنابلةُ في رِوايةٍ إلى أنه يَصحُّ النكاحُ بشَهادةِ الفاسِقَينِ؛ لأنَّ الأصلَ أنَّ كلَّ مَنْ يَصلحُ أنْ يكونَ قابِلًا للعَقدِ بنَفسِه يَنعقدُ النكاحُ بشهادَتِه، وكلُّ مَنْ يَصلحُ أنْ يكونَ وليًّا في نكاحٍ يَصلحُ أنْ يكونَ شاهِدًا في ذلكَ النكاحِ، فعَلى هذا يَنعقدُ النكاحُ بشَهادةِ الفاسِقَينِ.

ولأنَّ الفِسقَ لا يُخرِجُه مِنْ أنْ يكونَ أهلًا للإمامةِ والسَّلْطنةِ، فإنَّ الأئمَّةَ بعدَ الخُلفاءِ الراشِدِينَ قلَّ ما يَخلُو واحدٌ منهُم عَنْ فِسقٍ، فالقولُ بخُروجِه مِنْ أنْ يكونَ إمامًا بالفِسقِ يُؤدِّي إلى فَسادٍ عَظيمٍ، ومِن ضَرورةِ كونِه أهلًا للإمامةِ كَونُه أهلًا للقَضاءِ؛ لأنَّ تقلُّدَ القضاءِ يكونُ مِنْ الإمامِ، ومِن ضَرورةِ كَونِه أهلًا لولايةِ القَضاءِ أنْ يكونَ أهلًا للشَّهادةِ.

ويَجوزُ للحاكِمِ الحُكمُ بشَهادتِه في الجُملةِ، ولو حكَمَ لا يُنقَضُ حُكمُه؛ لأنه مَحلُّ الاجتهادِ، فكانَ مِنْ أهلِ تحمُّلِ الشَّهادةِ، والفِسقُ لا يَقدحُ في أهليَّةِ التحمُّلِ، وإنما يَقدحُ في الأداءِ، فيَظهرُ أثَرُه في الأداءِ لا في الانعِقادِ،


(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ٢٥٣، ٢٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>