اختَلفَ الفُقهاءُ في الزوجِ إذا قذَفَ زَوجتَه بالزِّنا وأتَى ببيَّنةٍ، هل يَصحُّ منهُ اللِّعانُ؟ أم أنه لا يَصحُّ اللِّعانُ إلا إذا عجَزَ عن إقامةِ البيَّنةِ؟
فذهَبَ الحَنفيةُ إلى أنَّ اللِّعانَ لا يَصحُّ إلا إذا عَدمَ القاذفُ إقامةَ البيِّنةِ؛ لأنَّ اللهَ تَعالى شرَطَ ذلك في آيةِ اللِّعانِ بقَولِه ﷿: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ﴾ [النور: ٦] الآيَة، حتى لو أقامَ أربعةً مِنْ الشُّهودِ على المَرأةِ بالزِّنَا لا يَثبتُ اللِّعانُ ويُقامُ عليها حَدُّ الزِّنا؛ لأنه قد ظهَرَ زِناها بشَهادةِ الشُّهودِ، ولو شَهدَ أربَعةٌ أحدُهُم الزوجُ فإنْ لم يَكنْ مِنْ الزوجِ قَذفٌ قبلَ ذلكَ تُقبَلُ شَهادتُهم ويُقامُ عليها الحَدُّ؛ لأنَّ شَهادتَه بالقَبولِ أَولى مِنْ شَهادةِ الأجنَبيِّ؛ لأنها أبعَدُ مِنْ التُّهمةِ؛ إذِ العادةُ أنَّ الرجلَ يَستُرُ على امرَأتِه ما يَلحقُه به شَينٌ، فلَم يَكنْ مُتهَمًا في شَهادتِه فتُقبلُ، كشَهادةِ الوالدِ على وَلدِه.
وإنْ كانَ الزوجُ قذَفَها أوَّلًا ثمَّ جاءَ بثَلاثةٍ سِواهُ فشَهدوا فهُم قَذَفةٌ يُحَدُّونَ وعلى الزوجِ اللعانُ؛ لأنه لمَّا سبَقَ منه القَذفُ فقدْ وجَبَ عليهِ اللِّعانُ، فهو بشَهادتِه جُعلَ دافِعًا للضَّررِ عن نَفسِه، فلا تُقبَلُ شَهادتُه، والزِّنا لا يَثبتُ بشَهادةِ ثَلاثةٍ، فصاروا قَذفةً فيُحَدُّونَ حَدَّ القَذفِ، ويلَاعَنُ الزوجُ لقَذفِ زَوجتِه.