للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به، فالضَّربُ الَّذي نهَى عنهُ ما كانَ الضارِبُ فيهِ مُتعدِّيًا، والضَّربُ الَّذي أمَرَ بهِ تأدِيبُ الرَّجلِ أهلَه فيما يَجبُ له تأديبُها، وفيهِ قالَ اللهُ تعالَى: ﴿فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤]، فأمَرَ بضَربِهنَّ إذا خِيفَ النُّشوزُ مِنهنَّ، ولم يَجعلْ لضَربِهنَّ حَدًّا لا تَجوزُ مُجاوَزتُه، ونهيُه عن ضَربِ النِّساءِ، وما رُويَ عنهُ مِنْ قَولِه: «ولا تَجدُونَ أولئِكُم خِيارَكم» نهيًا منهُ عن الضَّربِ الَّذي يكونُ به الضَّاربُ مُتعدِّيًا.

وقدِ اتَّفقَ الجَميعُ على أنَّ للرَّجلِ أنْ يَضربَ امرأتَه فيما ذكَرْنا، فدلَّ بذلكَ على أنَّ النَّبيَّ لم يَنْهَ عنِ الضَّربِ الَّذي هذهِ صِفتُه (١).

٤ - هلْ يُشتَرطُ تَكرارُ نُشوزِ الزَّوجةِ حتَّى يُشرَعَ للزَّوجِ ضَربُ زوْجتِه؟

اختَلفَ الفُقهاءُ هل يُشتَرطُ لجوازِ ضَربِ المَرأةِ النَّاشِزةِ أنْ يتكرَّرَ منها النُّشوزُ؟ أم يَجوزُ الضَّربُ ولو نشَزَتْ مرَّةً واحدةً؟

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحنفيَّةُ والمالكيَّةُ وبعضُ الشافعيَّةِ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنهُ لا يُشتَرطُ تَكرارُ نشوزِ المرأةِ حتَّى يَجوزَ ضربُها؛ لِقولِه تعالَى: ﴿وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤]، ولأنها صرَّحَتْ بالمَنعِ فكانَ لهُ ضربُها كما لو أصرَّتْ، ولأنَّ عقُوباتِ المَعاصِي لا تَختلفُ بالتَّكرارِ وعَدمِه كالحُدودِ.

وذهَبَ الشافعيَّةُ في المَذهبِ والخِرَقيُّ مِنْ الحَنابلةِ إلى أنه يُشترطُ تَكرارُ النُّشوزِ، فإنْ تحقَّقَ نُشوزُ الزَّوجةِ ولكنْ لم يَتكرَّرْ لم يَجُزْ لهُ ضربُها؛


(١) «الإقناع في مسائل الإجماع» (٣/ ١٢٤٥، ١٢٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>