قالوا: والمُوصَى به يُملَكُ بالقَبولِ؛ لأنَّ الوَصيةَ مُثبِتةٌ للمِلكِ، والقَبولُ شَرطٌ للدُّخولِ فيه إلا في مَسألةٍ واحِدةٍ، وهي أنْ يَموتَ المُوصي ثم يَموتَ المُوصَى له قبلَ القَبولِ والرَّدِّ، فيَدخلَ المُوصَى به في مِلكِ وَرثةِ المُوصَى له؛ لأنَّ الوَصيةَ قد تمَّتْ من جانِبِ المُوصي بمَوتِه تَمامًا لا يَلحقُه الفَسخُ من جِهتِه، وإنَّما توقَّفَ لحَقِّ المُوصَى له، فإذا ماتَ دخَلَ في مِلكِه كما في البَيعِ المَشروطِ فيه الخيارُ للمُشتَري إذا ماتَ قبلَ الإِجازةِ (١).
الأمرُ الثالِثُ: الفِعلُ:
اختَلفَ الفُقهاءُ في الفِعلِ، هل يَقومُ مَقامَ القَولِ في قَبولِ الوَصيةِ أو لا بُدَّ من القَولِ؟
فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والحَنابِلةُ وبعضُ الشافِعيةِ -وهو مُقتَضى كَلامِ المالِكيةِ- إلى أنَّ الفِعلَ يَقومُ مَقامَ القَولِ في الوَصيةِ.
فالقَبولُ بالفِعلِ بأنْ يَبيعَ الوَصيُّ التَّركةَ قبلَ القَبولِ باللَّفظِ، فهو قَبولٌ؛ لأنَّه دِلالةُ الالتِزامِ، وهو مُعتبَرٌ بالمَوتِ، ويَنفُذُ البَيعُ لصُدورِه من الوَصيِّ سَواءٌ علِمَ بالإِيصاءِ أو لم يَعلَمْ بخِلافِ الوَكيلِ حيثُ لا يَكونُ وَكيلًا من غيرِ عِلمٍ؛ لأنَّ التَّوكيلَ إِنابةٌ في حالِ قيامِ وِلايةِ المُوكَّلِ ولا يَصحُّ من غيرِ عِلمٍ
(١) «تحفة الفُقهاء» (٣/ ٢٠٦، ٢٠٧)، و «بدائع الصنائع» (٧/ ٣٣٢)، و «العناية شرح الهداية» (١٦/ ٧٤، ٧٥)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ٣٨٣)، و «اللباب» (٢/ ٥٩٢).