ثالثًا: المعتدَّةُ المختَلَفُ في وُجوبِ الإحدادِ عليها (المطلَّقةُ البائِنُ):
اختَلفَ الفُقهاءُ في المَرأةِ المطلَّقةِ طلاقًا بائِنًا، هل يَجبُ عليها الإحدادُ أم لا؟
فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ في المَذهبِ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنه لا يَجبُ عليها الإحدادُ، ولا يَجبُ الإحدادُ إلا على المَرأةِ المُتوفَّى عنها زَوجُها، ولا إحدادَ على مُطلَّقةٍ؛ لقَولِ النبيِّ ﷺ:«لا يَحِلُّ لامرَأةٍ تُؤمنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ تُحِدُّ على ميِّتٍ فوقَ ثَلاثٍ، إلا على زَوجٍ أربَعةَ أشهُرٍ وعَشرًا»(١).
فأخبَرَ أنَّ الإحدادَ هو على المُتوفَّى، والمُطلِّقُ حَيٌّ، فلا إحدادَ على امرأتِه.
ولأنَّ الحِدادَ في المَنصوصِ عليهِ إنما وجَبَ لحَقِّ الزَّوجِ تَأسُّفًا على ما فاتِها مِنْ حُسنِ العِشرةِ وإدامةِ الصُّحبةِ إلى وَقتِ المَوتِ، وهذا المَعنى لم يُوجَدْ في المطلَّقةِ؛ لأنَّ الزوجَ أوحَشَها بالفُرقةِ وقطَعَ الوصلةَ باختيارٍ ولم يَمُتْ عنها، فلا يَلزمُها التأسُّفُ.
ولأنها مُعتدَّةٌ عن غيرِ وَفاةٍ، فلَم يَجبْ عليها الإحدادُ كالرَّجعيةِ والمَوطوءةِ بشُبهةٍ، ولأنَّ الإحدادَ في عدَّةِ الوفاةِ لإظهارِ الأسَفِ على فِراقِ زَوجِها ومَوتِه، فأما الطلاقُ فإنه فارَقَها باختيارِ نَفسِه وقطَعَ نِكاحَها، فلا مَعنى لتَكليفِها الحُزنَ عليه، ولأنَّ المُتوفَّى عنها لو أتَتْ بوَلدٍ لَحِقَ الزوجَ،