والقِسمُ الثَّالث: أنْ يَجعَلَ المدَّةَ زَمنًا يَحتَمِلُ أنْ يَحمِلَ فيه، ويَحتَمِلُ ألَّا يَحمِلَ، وليسَ أحَدُهما أَظهَرَ؛ فلا يَصحُّ في الأصَحِّ عندَ الشافِعيَّةِ والحَنابِلةِ في وَجهٍ، كَما لَو أسلَمَ في مَعدومٍ إلى وَقتٍ يَحتَمِلُ وُجودَه وعَدَمَه، ويَستَحقُّ الأُجرةَ وإنْ لَم تُثمِرْ؛ لأنَّه عَمِلَ طامِعًا.
وَمُقابِلُ الأصَحِّ عندَ الشافِعيَّةِ ووَجهٌ لِلحَنابِلةِ أنَّه يَصحُّ؛ لأنَّ الثَمرَ مَرجُوٌّ، كالقِراضِ، فإنَّ الرِّبحَ مَرجُوٌّ لِلحُصولِ، فإنْ أثمَرَتِ استَحقَّ ما شُرِطَ لَه، وإنْ لَم تُثمِرْ لَم يَستَحقَّ شَيئًا (١).
المُساقاةُ على شَجرٍ يَغرِسُه ويَعمَلُ عليه حتى يُثمِرَ (وهي المُناصَبةُ):
اختَلفَ الفُقهاءُ في الرجُلِ يَدفَعُ إلى آخَرَ شَجرًا صَغيرًا لِيَغرِسَه ويَعملَ عليه حتى يُثمِرَ بجُزءٍ مَشاعٍ مَعلومٍ، هَلْ يَصحُّ أو لا؟
فذهبَ الشافِعيَّةُ في المَذهبِ إلى أنَّه لَو دفعَ إلى آخَرَ وَدْيًا -أي: نَخلًا صَغيرًا- لِيَغرِسَه ويَكونَ الشَّجرُ أو ثَمرَتُه إذا أثمَرَ بَينَهما، لَم يَجُزْ؛ لأنَّ المُساقاةَ لَم تَرِدْ إلَّا على أصْلٍ ثابِتٍ، وهي رُخصةٌ لا تَتعدَّى مَورِدَها، ولأنَّ الغَرسَ لَيسَ مِنْ أعمالِ المُساقاةِ، فأشبَهَ ضَمَّ غيرِ التِّجارةِ إلى القِراضِ.
فَإذا عَمِلَ فلَه أُجرةُ مِثلِ عَملِه على المالِكِ إنْ تُوقِّعتِ الثَّمرةُ في المدَّةِ، وإلَّا فلا، في الأصَحِّ.
(١) «الحاوي الكبير» (٧/ ٣٨٥)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٧٧١)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٣٦٨، ٣٦٩)، و «نهاية المحتاج» (٥/ ٢٨٨)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٣٠٢، ٣٠٣)، و «الديباج» (٢/ ٤٤٨، ٤٤٩)، و «المغني» (٥/ ٢٣٨، ٢٣٩)، و «الشرح الكبير» (٥/ ٥٦٠)، و «كشاف القناع» (٣/ ٦٢٧).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute