للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابِعًا: تَجديدُ النيَّةِ لكلِّ يَومٍ:

أجمَع أهلُ العِلمِ على أنَّ من نَوى الصِّيامَ كلَّ لَيلةٍ من لَيالي شَهرِ رَمَضانَ فصامَ صيامُه تامٌّ (١).

إلا أنَّهم اختَلفُوا فيمَن نَوى في أولِ لَيلةٍ أنَّه يَصومُ شَهرَ رَمضانَ كلَّه، هل تُجزِئُه نيَّةٌ واحِدةٌ لِشَهرِ رَمضانَ كلِّه، أو لا بُدَّ لكلِّ يَومٍ من نيَّةٍ؟

فذهَب جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيَّةُ والشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ في المَذهَبِ إلى أنَّ كلَّ يَومٍ من رَمضانَ يَفتقِرُ إلى نيَّةٍ، فلو نَوى في أوَّلِ لَيلةٍ من رَمضانَ صَومَ الشَّهرِ كلِّه لم تَصحَّ هذه النيَّةُ لِغَيرِ اليَومِ الأولِ؛ لأنَّ صَومَ كلِّ يَومٍ عِبادةٌ مُستقلَّةٌ يَدخُلُ وَقتُها بطُلوعِ الفَجرِ، ويَخرُجُ وَقتُها بغُروبِ الشَّمسِ، لا يَفسُدُ بصيامِ اليَومِ الذي قبلَه، ولا بفَسادِ اليَومِ الذي بعدَه، فلم تَكفِه نيَّةٌ واحِدةٌ كالصَّلواتِ.

ولِقَولِ النَّبيِّ : «مَنْ لم يُبَيِّتِ الصِّيامَ من اللَّيْلِ فلا صِيَامَ له» (٢).

وذهَب المالِكيَّةُ والإمامُ أحمدُ في رِوايةٍ إلى أنَّه تُجزِئُه نيَّةٌ واحِدةٌ لِجَميعِ الشَّهرِ ما لم يَفسَخْها، فلو نَوى في أولِ لَيلةٍ من رَمضانَ صَومَ جَميعِه كَفاه لِجَميعِه، ولا يَحتاجُ إلى النيَّةِ لكلِّ يَومٍ لِعُمومِ قَولِ النَّبيِّ : «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى»، ولأنَّه عِبادةٌ واحِدةٌ فكَفَتْه نيَّةٌ واحِدةٌ، كالحَجِّ ورَكعاتِ الصَّلاةِ، ولأنَّه نَوى في زَمنٍ يَصلُحُ جِنسُه لِنيَّةِ الصَّومِ، فجاز كما لو نَوى كلَّ يَومٍ في لَيلَتِه.


(١) «الإجماع» (١٢٣)، و «الإشراف» (٣/ ١١٥).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: تَقدَّم.

<<  <  ج: ص:  >  >>