للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّكنُ الثانِي: الَمقضيُّ به:

نصَّ عامةُ العُلماءِ على اختِلافٍ في عباراتِهم على أنَّ القاضِي إذا حضرَتْه قَضيةٌ فإنَّه يَقضي بما في كِتابِ اللهِ تَعالى، ويَنبغي أنْ يَعرفَ ما في كِتابِ اللهِ تَعالى مِنْ الناسخِ والمَنسوخِ، ويَنبغي أنْ يَعرفَ مِنْ الناسخِ ما هو مُحكَمٌ وما هو مُتشابِهٌ في تَأويلِه اختلافٌ كالأَقراءِ.

قالَ الحَنفيةُ: فإنْ لمْ يَجدْ في كِتابِ اللهِ تَعالى يَقضي بما جاءَ عن رَسولِ اللهِ ، ويَنبغي أنْ يَعرفَ الناسخَ والمَنسوخَ مِنْ الأَخبارِ، فإنِ اختَلفتِ الأَخبارُ يَأخذُ بما هو الأَشبهُ ويَميلُ اجتِهادُه إليه، ويَجبُ أنْ يَعلمَ المُتواترَ والمَشهورَ وما كانَ مِنْ أَخبارِ الآحادِ، ويَجبُ أنْ يَعلمَ مَراتبَ الرُّواةِ، فإنَّ منهم مَنْ عُرفَ بالفِقهِ والعَدالةِ كالخُلفاءِ الراشدينَ والعَبادلةِ وغيرِهم، ومنهم مَنْ عُرفَ بطُولِ الصُّحبةِ وحُسنِ الضَّبطِ، والأَخذِ برِوايةِ مَنْ عُرفَ بالفِقهِ أَولى مِنْ الأَخذِ برِوايةِ مَنْ لمْ يُعرفْ بالفِقهِ، وكذلك الأَخذُ برِوايةِ مَنْ عُرفَ بطُولِ الصُّحبةِ أَولى مِنْ الأَخذِ برِوايةِ مَنْ لمْ يُعرفْ بطُولِ الصُّحبةِ.

وإنْ كانَتْ حادثةً لم يَردُ فيها سُنةُ رَسولِ اللهِ يَقضي فيها بما اجتمَعَ عليه الصَّحابةُ ؛ لأنَّ العَملَ بإِجماعِ الصَّحابةِ واجبٌ، فإنْ كانَتِ الصَّحابةُ فيها مُختلِفينَ يَجتهدُ في ذلك، ويُرجِّحُ قَولَ بعضِهم على بعضٍ باجتِهادِه إذا كانَ مِنْ أَهلِ الاجتِهادِ، وليسَ له أنْ يُخالفَهم جَميعًا باختِراعِ قَولٍ ثالثٍ؛ لأنَّهم معَ اختِلافِهم اتفَقُوا على أنَّ ما عدا القَولينِ باطلٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>