للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للشَّفيعِ تَركُ الشُّفعةِ مُقابلَ عِوضٍ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في الشَّفيعِ هل له تَركُ الشُّفعةِ بأنْ يُصالِحَ عليها مُقابِلَ عِوضٍ يُبذلُ له أو لا؟

فذهَبَ المالِكيةُ إلى أنَّه يَجوزُ للشَّفيعِ أنْ يَتركَ الشُّفعةَ مُقابِلَ بَذلِ عِوضٍ له عليها؛ لأنَّه عِوضٌ على إِزالةِ مِلكٍ في تَمليكٍ، فجازَ له أخْذُه كأخْذِ العِوضِ على تَمليكِ زَوجتِه أمْرَها والخُلعِ به (١).

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه لا يَصحُّ بَذلُ العِوضِ مُقابِلَ حَقِّ الشُّفعةِ، فإنْ قالَ المُشتَري للشَّفيعِ: «صالِحْني على ما وجَبَ لك من الشُّفعةِ بدِينارٍ»، فقالَ الشَّفيعُ: «صالَحتُك»، لم يَصحَّ الصُّلحُ، ولا يَملِكُ الشَّفيعُ العِوضَ؛ لأنَّه خيارُ تَملُّكٍ فلا يَصحُّ بَذلُ العِوضِ فيه كخيارِ الثَّلاثِ، ولأنَّ الشُّفعةَ حَقُّ التَّملُّكِ وليسَ حَقًّا مُتقرَّرًا، فلا يَصحُّ الاعتِياضُ عنه كالعِنِّينِ إذا قالَ لامرأتِه: «اختاري تَركَ الفَسخِ بألفٍ»، أو قالَ للمُخيَّرةِ: «اختاريني بألفٍ»، فاختارَت، سقَطَ الفَسخُ ولا شَيءَ لهما، ويَجبُ عليه رَدُّ العِوضِ لأنَّه لم يُقابِلْه حَقٌّ مُتقرَّرٌ، فلا يَكونُ تِجارةً عن تَراضٍ فلا يَحلُّ.

ولأنَّه خيارٌ لا يَسقُطُ إلى مالٍ فلم يَجزْ أخْذُ العِوضِ عنه كخيارِ الشَّرطِ، ويَبطُلُ ما قالَه بخيارِ الشَّرطِ، وأمَّا الخُلعُ فهو مُعاوَضةٌ عمَّا ملَكَه بعِوضٍ، وههنا بخِلافِه، إلا أنَّهم اختَلَفوا هل تَسقطُ الشُّفعةُ بذلك أو لا؟


(١) «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ١٥١، ١٥٢)، رقم (١٠٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>