للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصُّورةُ الأُولى: أنْ يكونَ الزَّوجُ أصيلاً مِنْ جانِبِ نَفسِه في العقدِ ووليًّا مِنْ جانِبِ الزَّوجةِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في الزَّوجِ هل يُمكِنُ أنْ يَتولَّى طَرفيِ العقدِ، بأنْ يَكونَ أصيلًا عن نَفسِه في العقدِ ووَليًّا مِنْ جانبِ الزَّوجةِ، كابنِ العَمِّ إذا كانَ وَليًّا على بنتِ عمِّه الصَّغيرةِ وأرادَ تَزويجَها مِنْ نَفسِه، فهلْ يجوزُ له أنْ يَتولَّى طَرفيِ العَقدِ أم لا؟

فذهَبَ الحَنفيةُ -ما عَدَا زُفرَ- والمالِكيةُ والشَّافعيةُ في قَولٍ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنه يَجوزُ أنْ يَتولَّى طَرفيِ العَقدِ واحدٌ، مثلَ أنْ يكونَ الزَّوجُ أصيلًا عن نَفسِه ووليًّا، كابنِ العَمِّ إذا زوَّجَ بِنتَ عمِّه -أي بنتَ عمِّه الصغيرةَ بغيرِ إذنِها، والبالِغةَ بإذنِها- مِنْ نَفسِه، صُورتُه أنْ يقولَ: «اشهَدُوا أني زوَّجتُ بنتَ عمِّي فُلانةَ بنتَ فُلانٍ بنِ فُلانٍ مِنْ نَفسِي».

واستَدلُّوا على ذلكَ بما رواه البُخاريُّ في «صَحيحِه»: بابٌ: إذا كانَ الوليُّ هو الخاطِبَ: وخطَبَ المُغيرةُ بنُ شُعبةَ امرأةً هو أولَى الناسِ بها، فأمَرَ رجُلًا فزوَّجَهُ، وقالَ عبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ لأمِّ حَكيمٍ بنتِ قارِظٍ: أتَجعَلينَ أمرَكِ إليَّ؟ قالَتْ: نعمْ، فقالَ: قد تزوَّجتُكِ، وقالَ عَطاءٌ: ليَشهِدْ أنِّي قد نَكحتُكِ أو لِيأمُرْ رَجلًا مِنْ عَشيرتِها (١)، وقالَ سَهلٌ: قالَتِ


(١) قالَ الحافِظُ ابنُ حَجرٍ في «تَغلِيق التَّعلِيقِ» (٤/ ٤١٦، ٤١٧): أمَّا حَديثُ المُغيرةِ فقالَ البَيهقيُّ في الخِلافيَّاتِ: أنَا أبو عبدُ اللهِ الحافِظُ أنَا أبو الوَليدِ ثَنَا مُحمدُ بنُ أحمدَ بنِ زهيرٍ ثَنَا عبدُ اللهِ بنُ هاشمٍ ثَنَا وَكيعٌ عن سُفيانَ عن عبدِ الملكِ بنِ عُميرٍ «أنَّ المُغيرةَ أرادَ أنْ يَتزوَّجَ امرأةً وهو وليُّها، فجعَلَ أمْرَها إلى رَجلٍ المُغيرةُ أَولى منه فزوَّجَه».
ورواهُ عبدُ الرزَّاقِ في «مصنفه» عنِ الثَّوريِ عن عبدِ المَلكِ بنِ عُميرٍ قالَ: «أرادَ المُغيرةُ بنُ شُعبةَ أنْ يتزوَّجَ امرأةً هو أقرَبُ إليها مِنْ الذي أرادَ أنْ يزوِّجَها إياهُ، فأمَرَ غيرَه أبعدَ منهُ فزوَّجَها إياه».
وأمَّا حديثُ عبدِ الرَّحمنِ فقالَ ابنُ سَعدٍ في «الطَّبَقات الكَبير» أنَا مُحمدُ بنُ إسماعيلَ بنِ أبي فديكٍ عنِ ابنِ أبي ذئبٍ عن سَعيد بنِ خالدٍ وقارظِ بنِ شَيبةَ «أنَّ أمَّ حكيمٍ بنتَ قارظٍ قالَتْ لعبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ أنه قد خَطَبني غيرُ واحدٍ فزوِّجْنِي أيَّهم رأيْتَ، قالَ: وتَجعَلينَ ذلكَ إليَّ؟ فقالتْ: نعمْ، فقالَ: قد تزوَّجتُكِ». قالَ ابنُ أبي ذئبٍ: فجازَ نِكاحُه.
وأمَّا قولُ عطاءٍ فقالَ ابنُ أبي خَيثمةَ في تاريخِه: ثَنَا أبي ثَنَا سُفيانَ عن عَمروٍ عن عَطاءٍ به.
وقالَ عبدُ الرزَّاقِ في «مصنفه»: عنِ ابنِ جُريجٍ قالَ: قلتُ لعطاءٍ: امرأةٌ نكَحَتْ رَجلًا بغيرِ إذنِ الوُلاةِ وهمْ حاضرُونَ فبَنَا بها؟ قالَ: وأشهَدَتْ؟ قلتُ: نعمْ، قالَ: أمَّا امرأةٌ مالِكةٌ لأمرِها إذا كانَ شُهداءُ فإنه جائزٌ دونُ الولاةِ، ولو أنكَحَها الوليُّ كانَ أحَبَّ إليَّ، ونِكاحُها جائزٌ.
وعنِ ابنِ جُريجٍ قالَ: قلتُ لعطاءٍ: امرأةٌ خطَبَها ابنُ عَمٍّ لها لا رَجلَ لها غيرُه، قالَ: فلْتُشهِدْ أنَّ فُلانًا خطَبَها، وأنِّي أُشهِدُكم أنِّي قد نكَحْتُه، أو لتأمُرْ رَجلًا مِنْ عَشيرِتها.
وأما حَديثُ سَهلٍ فأسنَدَه المؤلِّفُ في مَواضعَ مِنْ النكاحِ وغيرِه.

<<  <  ج: ص:  >  >>