نَصَّ جُمهورُ الفُقهاءِ عَلى أنه لَو أظهَرَ قَومٌ رأيَ الخَوارجِ فتَجنَّبوا الجَماعاتِ وسَبُّوا السلَفَ وكفَّروهُم وقالوا:«مَنْ أتَى بكَبيرةٍ خرَجَ مِنْ المِلَّةِ واستَحقَّ الخُلودَ في النارِ»، ولكنَّهم لم يَخرُجوا مِنْ قَبضةِ الإمامِ فإنه لا يَجوزُ قتالُهم.
قالَ الإمامُ الماوَرديُّ ﵀: فإذا اعتَقدَ قومٌ رأيَ الخَوارجِ وظهَرَ مُعتقَدُهم على ألسِنتِهم وهُم بينَ أهلِ العَدلِ غيرُ منابِذينَ لهم ولا مُتجرِّئينَ عليهِم تُرِكوا على حالِهم ولم يَجُزْ قَتلُهم ولا قتالُهم، ولم يُؤخَذُوا جَبْرًا بالانتقالِ عن مَذهبِهم والرُّجوعِ عن تَأويلِهم، وعُدلَ إلى مُناظَرتِهم وإبطالِ شُبهتِهم بالحُججِ والبَراهينَ وإنْ كانُوا عليهَا مُقرِّينَ، فقدْ أقَرَّهم عليُّ بنُ أبي طالبٍ ﵇ قبلَ أنْ يَعتزِلوه وسَمِعَ قائلَهم يقولُ:«لا حُكمَ إلا للهِ» تَعريضًا به في تَحكيمِه يَومَ صِفِّينَ، فقالَ عليٌّ:«كَلمةُ حَقٍّ أريدَ بها باطِلٌ»، وهذا أحسَنُ جوابٍ لمَن عرَّضَ بمثلِ هذا القَولِ، ثم قالَ:«لكُم علينا ثَلاثٌ: لا نَمنعُكم مَساجدَ اللهِ أنْ تَذكُروا فيها اسمَ اللهِ، ولا نَمنعُكم الفيءَ ما دامَتْ أيديكُم مَعَنا، ولا نَبدؤُكم بقتالٍ»، فجعَلَ هذهِ الأحكامَ فيهم كهيَ في أهلِ العَدلِ، واقتَضى في ذلكَ سيرةَ رسولِ اللهِ ﷺ في المُنافقينَ في كفِّه عنهم مع عِلمِه بمُعتقَدِهم لتَظاهُرِهم بطاعَتِه مع استِبطانِ مَعصيتِه.
فإنْ صرَّحَ الخوارجُ بسبِّ الإمامِ وسبِّ أهلِ العَدلِ عُزِّروا؛ للأذَى وذَبًّا عن مَنصبِ الإمامةِ، وإنْ عَرَّضوا به مِنْ غيرِ تَصريحٍ ففي تَعزيرِهم