للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، فتبسَّمَ، وقالَ: يا أبا بَكرٍ، لو قبِلتُ شَيئًا من الناسِ قبِلتُ منك، ولم يَقبلْ مِني شَيئًا (١).

ونَختِمُ بقَولِ العُليميِّ: أتَتْه الدُّنيا فأَباها، والرِّياسةُ فنَفاها، وعُرضَت عليه الأَموالُ، وفُوضَت إليه الأَحوالُ، وهو يَردُّ ذلك بتَعفُّفٍ وتَعلُّلٍ وتَقلُّلٍ، ويَقولُ: قَليلُ الدُّنيا يَجزي، وكَثيرُها لا يَجزي، ويَقولُ: أنا أَفرحُ إذا لم يَكُنْ عندي شَيءٌ، ويَقولُ: إنَّما هو طَعامٌ دونَ طَعامٍ، ولِباسٌ دونَ لِباسٍ، وأيامٌ قَلائلُ (٢).

٥ - وَرَعُه :

قالَ قُتيبةُ بنُ سَعيدٍ: لولا أَحمدُ لماتَ الوَرعُ (٣).

قالَ العُلَيميُّ: فمِن بَعضِ وَرعِه أنَّه كانَ لأُمِّ وَلدِه عبدِ اللهِ دارٌ، يَأخذُ منها أَحمدُ دِرهمًا بحَقِّ مِيراثِه، فاحتاجَت إلى نَفقةٍ تُصلَحُ بها، فأصلَحَها ابنُه عبدُ اللهِ، فتَرَك الإمامُ أَحمدُ أخْذَ الدِّرهمِ الذي كانَ يَأخذُه، وقالَ: قد أفسَدَه عليَّ، تورَّعَ عن أخْذِ حَقِّه من الأُجرةِ، خَشيةَ أنْ يَكونَ ابنُه أنفَقَ على الدارِ ممَّا يَصلُ إليه من الخَليفةِ، ونَهى وَلدَيه وعَمَّه عن أخْذِ العَطاءِ من مالِ الخَليفةِ، فاعتَذَروا بالحاجةِ، فهَجَرهم شَهرًا لأَخذِ العَطاءِ، ووُصِف له في عِلَّتِه قَرعةٌ تُشوَى، ويُؤخَذُ ماؤُها، فلمَّا جاؤُوا بالقَرعةِ، قالَ بعضُ مَنْ


(١) «سير أعلام النبلاء» (١١/ ٢٢٩).
(٢) «المنهج الأحمد» (١/ ١١).
(٣) أبو نعيم (٩/ ١٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>