للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الكاسانيُّ: والاستِدلالُ به مِنْ وجهَينِ: أحَدُهما: أنَّه جعلَه قاضيًا ما عليه عندَ هذا الفِعلِ، أو القولِ، وَ «مَا» لِلعُمومِ، فيما لا يُعلَمُ، فيَقضي أن يَكونَ قاضِيًا جَميعَ ما عليه، ولو كان التَّسليمُ فَرضًا لم يكن قاضيًا جَميعَ ما عليه بدُونِه؛ لأنَّ التَّسليمَ يَبقَى عليه.

والآخَرُ: أنَّه خَيَّره بينَ القيامِ وبَين القُعودِ، مِنْ غيرِ شَرطِ لَفظِ التَّسليمِ، ولو كانَ فَرضًا ما خَيَّره، ولأنَّ رُكنَ الصَّلاةِ ممَّا تُؤدَّى به الصَّلاةُ، والسَّلامُ خُروجٌ عن الصَّلاةِ وتَركٌ لها؛ لأنَّه كَلامٌ وخِطابٌ لغيرِه؛ فكانَ مُنافِيًا لِلصَّلاةِ، فكَيفَ يَكونُ رُكنًا لها (١).

والمُعتَمدُ عندَ الحَنفيَّةِ أنَّ السَّلامَ واجِبٌ؛ لِمُواظَبةِ النَّبيِّ عليه، ومُواظَبتُه دَليلُ الوُجوبِ فيما قامَ الدَّليلُ على عدمِ فَرضِيَّتِه، وقد قامَ ههنا، وهو ما ذكَرنا، فكانَ واجِبًا لا فَرضًا (٢).

التَّسليمُ هل تُجزِئُ فيه تَسليمةٌ واحدةٌ أو اثنتَانِ؟

قالَ ابنُ المُنذرِ : أجمعَ كلُّ مَنْ نَحفَظُ عنه مِنْ أهلِ العِلمِ على أنَّ صَلاةَ مَنِ اقتَصرَ على تَسلِيمةٍ واحدةٍ جائِزةٌ (٣).

وقالَ النَّوويُّ : أجمعَ العُلماءُ الَّذينَ يُعتَدُّ بهم على أنَّه لا يجبُ إلا تَسليمةٌ واحدةٌ، فإنِ اقتَصرَ عليها استُحِبَّ له أن يسلِّمَ تِلقاءَ


(١) «بدائع الصنائع» (١/ ١٩٤)، و «شَرح معاني الآثار» (١/ ٤٤٠).
(٢) «بدائع الصنائع» (١/ ١٦٣).
(٣) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه التِّرمذي (٢٩٦)، وابن ماجه (٩٨، ٩١٩، ٩٢٠)، وابن خزيمة في «صحيحه» (١/ ٣٦٠)، وابن حبان في «صحيحه» (٥/ ٣٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>