الحالةُ الثَّانيةُ: أنْ يَسبقَها بالدَّعوى:
فإنْ سبَقَها بالدَّعوى بأنْ قالَ لها: «قَدْ راجَعتُكِ» فقالَتْ له مُجيبةً: «قدِ انقضَتْ عِدَّتي قبْلَ دَعواكَ» في زَمنٍ يُمكنُ فيهِ انقِضاءُ العدَّةِ وبقاؤُها فالقَولُ قولُه عندَ أبي يُوسفَ ومُحمدٍ والشافِعيةِ في وجهٍ والحَنابلةِ في المَذهبِ؛ لأنَّ دَعواهُ للرجعةِ قبْلَ الحُكمِ بانقِضاءِ عِدَّتها في زَمنٍ الظَّاهرُ قَبولُ قولِه فيهِ، فلا يُقبلُ قَولُها بعدَ ذلك في إبطالِه، ولأنها صادفَتِ العدَّةَ؛ فإنَّ عدَّتَها باقيةٌ ما لم تُخبِرْ بالانقِضاءِ، وقد سبَقَتِ الرجعةُ خبَرَها بالانقِضاءِ، فصحَّتِ الرَّجعةُ وسقَطتِ العدَّةُ، فإنها أخبَرَتْ بالانقِضاءِ بعدَ سُقوطِ العدَّةِ، وليسَ لها وِلايةُ الإخبارِ بعدَ سُقوطِ العدَّةِ (١).
وذهَبَ الإمامُ أبو حَنيفةَ والمالِكيةُ والشافِعيةُ في المَذهبِ والحَنابلةُ في قَولٍ إلى أنَّ القَولَ قولُها ولا تَثبتُ الرجعةُ؛ لأنَّ المَرأةَ أمينةٌ في إخْبارِها عن انقِضاءِ العدَّةِ؛ فإنَّ الشَّرعَ ائتَمنَها في هذا البابِ، قالَ اللهُ تعالَى: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [البقرة: ٢٢٨]، قيلَ في التَّفسيرِ: إنه الحَيضُ والحَبَلِ، نَهاهُنَّ ﷾ عن الكِتمانِ، والنهيُ عن الكِتمانِ أمرٌ بالإظهارِ؛ إذِ النهيُ عن الشَّيءِ أمرٌ بضِدِّه، والأمرُ
(١) «المبسوط» (٦/ ٢٤)، و «بدائع الصنائع» (٣/ ١٨٥، ١٨٦)، و «الهداية» (٢/ ٧)، و «المحيط البرهاني» (٤/ ١٧)، و «الاختيار» (٣/ ١٨٢)، و «المغني» (٧/ ٤٠٧، ٤٠٨)، و «شرح الزركشي» (٢/ ٤٩١)، و «المبدع» (٧/ ٤٠٢)، و «الإنصاف» (٩/ ١٦٣)، و «كشاف القناع» (٥/ ٤٠٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute