للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحالةُ الثانيةُ: أنْ تَنقُصَ قيمةُ المَغصوبِ بدونِ حُدوثِ شَيءٍ فيه:

اتَّفقَ فُقهاءُ المَذاهبِ الأربَعةِ -إلا أَبا ثَورٍ- على أنَّ العَينَ المَغصوبةَ إذا نقَصَت قيمَتُها من حينِ الغَصبِ إلى حينِ الرَّدِّ لكَسادِها لا لنَقصٍ حدَثَ فيها كانَت قيمَتُها يَومَ الغَصبِ ألفَ دِينارٍ، ويَومَ الرَّدِّ خَمسَمِئةٍ فإنَّه لا يَجبُ على الغاصِبِ ضَمانُ ما نقَصَ من قيمَتِه؛ لأنَّ الغاصِبَ يَضمَنُ ما غصَبَ، والقيمةُ لا تَدخلُ في الغَصبِ؛ لأنَّه لا حَقَّ للمَغصوبِ منه في القيمةِ مع بَقاءِ العَينِ، وإنَّما حَقُّه في العَينِ، والعَينُ باقيةٌ كما كانَت فلم يَلزَمْه شَيءٌ.

قالَ العِمرانِيُّ : وبهذا قالَ مالِكٌ وأَبو حَنيفةَ وجَميعُ العُلماءِ إلا أَبا ثَورٍ، فإنَّه قالَ: يَجبُ عليه رَدُّها ورَدُّ ما نقَصَ من قيمَتِها لرُخصِها.

دَليلُنا: أنَّه رَدَّ العَينَ ولم يَنقُصْ منها عَينٌ ولا أثَرٌ فلم يَجِبْ عليه ضَمانُ شَيءٍ من قيمَتِها، كما لو لم تَنقُصْ قيمَتُها في السُّوقِ (١).

وقالَ الإِمامُ ابنُ قُدامةَ : وليس على الغاصِبِ ضَمانُ نَقصِ القيمةِ الحاصِلِ بتَغيرِ الأَسعارِ، نَصَّ عليه أَحمدُ، وهو قَولُ جُمهورِ العُلماءِ.

وحُكيَ عن أبي ثَورٍ أنَّه يَضمنُه؛ لأنَّه يَضمنُه إذا تلِفَت العَينُ فيَلزمُه إذًا رَدُّها كالسِّمَنِ.

ولنا: أنَّه رَدَّ العَينَ بحالِها لم يَنقُصْ منها عَينٌ ولا صِفةٌ فلم يَلزَمْه شَيءٌ كما لو لم تَنقُصْ، ولا نُسلِّمُ بأنَّه يَضمَنُها مع تَلفِ العَينِ.


(١) «البيان» (٧/ ١٢)، و «المهذب» (١/ ٣٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>