للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّكنُ الثاني: العاقدانِ:

هُما الراهِنُ والمُرتَهَنُ: فالراهِنُ هو المَدينُ، أي: الذي عليه الدَّيْنُ، وذِمَّتُه مَشغولةٌ به تِجاهَ المُرتَهَنِ، والمُرتَهَنُ: هو الدائِنُ الذي له الدَّيْنُ في ذِمَّةِ الراهِنِ، وهو الذي تُوضَعُ العَينُ المَرهونةُ تَحتَ يَدِه وسُلطانِه.

وقد اتَّفَق الفُقهاءُ على أنَّه يُشترَطُ فيهما العَقلُ، فلا يَصحُّ رَهنُ المَجنونِ والصَّبيِّ الذي لا يَعقِلُ؛ سَواءٌ أكانَ بنَفْسَيْهما أم بوَكيلَيْهما؛ لأنَّ الصَّغيرَ غيرُ المُمَيِّزِ والمَجنونَ لا عَقلَ لهما، والعَقلُ شَرطٌ في جَميعِ التَّصرُّفاتِ، وفي هذه الحالةِ إذا رَهَن شَخصٌ مالًا عندَ صَبيٍّ غيرِ مُمَيِّزٍ وسَلَّمَه إيَّاه وضاعَ ذلك المالُ لِعَدَمِ اقتِدارِ الصَّبيِّ على حِفظِه لا يَلزَمُ الضَّمانُ.

ثم اختَلَفوا في رَهنِ الصَّبيِّ الذي يَعقِلُ، هل يَصحُّ منه أو لا؟

فقال الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ: يَصحُّ منه، وقال الشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ: لا يَصحُّ.

قال الحَنفيَّةُ: البُلوغُ ليس بشَرطٍ لِصِحَّةِ الرَّهنِ حتى يَجوزَ مِنَ الصَّبيِّ المأذونِ؛ لأنَّ ذلك مِنْ تَوابِعِ التِّجارةِ، فيَملِكُه مَنْ يَملِكُ التِّجارةَ؛ ولأنَّ الرَّهنَ والارتِهانَ مِنْ بابِ إيفاءِ الدَّينِ واستِيفائِه، وهُما يَملِكانِ ذلك، وأمَّا الصَّبيُّ غيرُ المأذونِ له فيَصحُّ، ولكنْ يَتوقَّفُ على إجازةِ الوَليِّ (١).

وقال المالِكيَّةُ: وشَرطُهما -أي: الراهِنِ والمُرتَهَنِ- التَّأهُّلُ لِلبَيعِ صِحَّةً


(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ١٣٥)، و «مجلة الأحكام» مادة (٧٠٨)، و «درر الحكام» (٢/ ٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>