اختَلَف فُقهاءُ المَذاهِبِ الأربعةِ في مَعرِفةِ قَدْرِ رأسِ مالِ السَّلَمِ، هل يُشترَطُ مَعرِفَتُه؟ أم تَكفي الإشارةُ إليه؟
فذهَب أبو حَنيفةَ والمالِكيَّةُ في المَشهورِ والشافِعيَّةُ في مُقابِلِ الأظهَرِ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّه يُشترَطُ مَعرِفةُ قَدْرِ رأسِ مالِ السَّلَمِ وانضباطِه وإنْ كان مُشارًا إليه؛ لأنَّه لا يُؤمَنُ فَسخُ السَّلَمِ لِتأخُّرِ المَعقودِ عليه، فوَجَبَ مَعرِفةُ رأسِ مالِه لِيَرُدَّ بَدَلَه كالقَرضِ والشَّرِكةِ، ولأنَّه لا يُؤمَنُ أنْ يَظهَرَ بَعضُ الثَّمَنِ مُستحَقًّا فيَنفَسِخُ العَقدُ في قَدْرِه فلا يُعلَمُ في كم بَقيَ وكمِ انفَسَخَ.
ولأنَّه أحَدُ بَدَليِ السَّلَمِ كالمُسلَمِ فيه، ولأنَّ ما يَطرَأُ على السَّلَمِ مما يُوجِبُ جَهالةً في نَفْسِ المَعقودِ عليه مُعتبَرٌ في العَقدِ بدَليلِ مَنعِ السَّلَمِ في مَلءِ إناءٍ بعَينِه؛ لِجَوازِ هَلاكِ الإناءِ وحُصولِ السَّلَمِ في مَجهولٍ، ولا نَأمَنُ أنْ يَطرَأَ على عَقدِ السَّلَمِ ما يُوجِبُ فَسخَه، فيَحصُلَ رأسُ المالِ مَجهولًا لا يُمكِنُ رَدُّه فيَجِبُ أنْ يَكونَ ذلك مُعتبَرًا في العَقدِ.
فعلى هذا: لا يَجوزُ أنْ يَكونَ رأسُ المالِ إلا ما يَجوزُ أنْ يَكونَ مُسلَمًا فيه؛ لأنَّه يُعتبَرُ ضَبطُ صِفاتِه؛ فأشبَهَ المُسلَمَ فيه.
وهذا عندَ الإمامِ أبي حَنيفةَ في المَكيلِ والمَوزونِ والمَعدودِ، أمَّا في الثِّيابِ والحيَوانِ فلا يُشترَطُ، وحُجَّتُه أنَّ جَهالةَ ذلك تُؤدِّي إلى جَهالةِ المَقبوضِ في الثاني؛ لأنَّه إذا أسلَمَ كَفًّا مِنْ دَراهِمَ فوَجَد في بَعضِها زُيوفًا انفَسَخ العَقدُ فيه ولَم يُعلَمْ مِقدارُه مِنْ رأسِ المالِ، ولا يُشبِهُ هذا إذا كان رأسُ المالِ ثَوبًا؛ لأنَّ قَدْرَه ليس بمَعقودٍ عليه.