للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صِفةُ الإِحياءِ:

نصَّ فَقهاءُ الشافِعيةِ والحَنابلةِ في قولٍ على أنَّ الإِحياءَ يَختلفُ بحسبِ الغَرضِ مِنْ الإِحياءِ، والمَرجعُ في جَميعِ ذلك إلى العَرفِ، فما تعارَفَه الناس إِحياءً فهو إِحياءٌ؛ لأنَّ الشَّرعَ ورَدَ بتَعليقِ الملكِ على الإِحياءِ ولم يُبيِّنْه ولا ذكَرَ كَيفيَّتَه، فيَجبُ الرُّجوعُ فيه إلى ما كانَ إِحياءً في العُرفِ، كما أنَّه لمَّا ورَدَ باعتِبارِ القَبضِ والحِرزِ ولم يُبيِّنْ كيفيَّتَه كانَ المَرجعُ فيه إلى العُرفِ، ولأنَّ الشارعَ لو علَّقَ الحُكمَ على مُسمّى باسمٍ لتعلَّقَ بمُسمَّاه عندَ أهلِ اللِّسانِ فكذلك يَتعلَّقُ الحُكمُ بالمُسمَّى إِحياءً عندَ أهلِ العُرفِ، ولأنَّ النَّبيَّ لا يُعلِّقُ حُكمًا على ما ليسَ إلى مَعرفتِه طَريقٌ، فلمَّا لم يُبيِّنْه تَعيَّنَ العُرفُ طَريقًا لمَعرفتِه؛ إذ ليسَ له طَريقٌ سِواه (١).

قالَ الشافِعيةُ: الإِحياءُ ما عرَفَه الناسُ إِحياءً لمثلِ المُحيا؛ لأنَّ الشَّرعَ ورَدَ بالإِحياءِ مُطلقًا، وما ورَدَ فيه مُطلقًا رُجِعَ فيه إلى العُرفِ والعادةِ في ذلك الشيءِ وفي ذلك البَلدِ، كالتَّفريقِ في البَيعِ، والحِرزِ في السَّرقةِ، وضابِطُه: أنْ يُهيَّأَ كلُّ شيءٍ لما يُقصَدُ منه غالِبًا.

فإنْ كانَ يُريدُ إِحياءَ المَواتِ دارًا للسُّكنَى أو مَسجدًا اُشتِرطَ تَحويطُ البُقعةِ بما جرَتِ العادةُ به في ذلك المَكانِ بآجُرٍ أو لَبِنٍ أو حَجرٍ أو خَشبٍ بحَسبِ عادةِ ذلك المَكانِ، مع البِناءِ على المُعتمَدِ مع سَقفِ بعضِها ليَتهيَّأَ


(١) «المغني» (٥/ ٣٤٤)، و «الكافي» (٢/ ٤٣٧)، و «الشرح الكبير» (٦/ ١٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>