الخُروجُ على الأئمَّةِ الظلَمةِ الفَسقةِ:
اختَلفَ أهلُ العِلمِ في حُكمِ الخُروجِ على الأئمَّةِ الظَّلمةِ الفَسقةِ، هل يَجوزُ الخُروجُ عليهِم؟ أم لا يجوزُ الخروجُ عيلهم ويجبُ الصبْرُ عليهِم؟
فذهَبَ طائِفةٌ مِنْ أهلِ العِلمِ إلى جَوازِ الخُروجِ عليهِم، وطائفةٌ قالَتْ: يَجبُ الصبْرُ عليهِم وعَدمُ الخُروجِ عليهم؛ لِما في ذلكَ مِنْ الفِتنةِ وسَفكِ الدماءِ، وأنا أنقُلُ أقوالَ كَلامِ كثيرٍ مِنْ الفُقهاءِ ممَّن قالَ بجَوازِ الخُروجِ وعَدمِ جَوازِه؛ ليُعلَمَ أنه لا إجماعَ في المَسألةِ، وبكِلَا القَولينِ قالَ جَماعةٌ مِنْ خِيارِ الأمَّةِ وفُضلائِها.
قالَ الإمامُ ابنُ عبدِ البَرِّ ﵀: وأما قولُه -أي النبيِّ ﷺ: «ألَّا ننازِعَ الأمرَ أهلَه» فقدِ اختَلفَ الناسُ في ذلكَ، فقالَ القائِلونَ منهُم: أهلُه أهلُ العَدلِ والإحسانِ والفَضلِ والدِّينِ مع القوَّةِ على القيامِ بذلكَ، فهَؤلاءِ لا يَنازعونَ؛ لأنهُم أهلُه، وأما أهلُ الجَورِ والفِسقِ والظُّلمِ فلَيسوا بأهلٍ له.
واحتَجُّوا بقولِ اللهِ ﷿ لإبراهيمَ: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤)﴾ [البقرة: ١٢٤]، ذهَبَ إلى هذا طائِفةٌ مِنْ السلَفِ الصالحِ، واتَّبعَهم بذلكَ خلَفٌ مِنْ الفُضلاءِ والقرَّاءِ والعُلماءِ مِنْ أهلِ المَدينةِ والعراقِ.
وبهذا خرَجَ ابنُ الزُّبيرِ والحُسينُ على يَزيدَ، وخرَجَ خِيارُ أهلِ العِراقِ وعُلماؤُهم على الحجَّاجِ، ولهذا أخرَجَ أهلُ المَدينةِ بَني أميَّةَ عنهم وقامُوا عليهم فكانَتِ الحَرَّةُ، وبهذه اللفظةِ وما كانَ مِثلَها في مَعناها مَذهبٌ تَعلَّقتْ به طائِفةٌ مِنْ المُعتزلةِ، وهو مَذهبُ جَماعةِ الخَوارجِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute