للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل الإقالةُ بَيعٌ أو فَسخٌ؟

اختلَف الفُقهاءُ في الإقالةِ، هل هي بَيعٌ جَديدٌ؟ أم فَسخٌ لِلبَيعِ الأوَّلِ؟ على ثَلاثةِ أقوالٍ:

القَولُ الأوَّلُ: فَسخٌ مُطلَقًا، وهو الأظهَرُ عندَ الشافِعيَّةِ والمَذهبُ عندَ الحَنابِلةِ وهو قَولُ زُفَرَ مِنْ الحَنفيَّةِ؛ لِحَديثِ أبي هُريرةَ أنَّه قال: «مَنْ أقالَ نادِمًا بَيعَه أقالَ اللَّهُ عَثرَتَه» (١)، وَجهُ الِاستِدلالِ أنَّ الرَّسولَ سَمَّاها إقالةً، ولَم يُسَمِّها بَيعًا، والأصلُ في الِاصطِلاحاتِ الشَّرعيَّةِ تَسميةُ الشارِعِ لها.

ولأنَّ الإجماعَ قد صَحَّ على جَوازِ الإقالةِ في المُسلَّمِ فيه مع الإجماعِ على أنَّه لا يَجوزُ بَيعُ الطَّعامِ قبلَ قَبضِه، فدَلَّ على أنَّ الإقالةَ ليسَتْ بَيعًا.

ولأنَّ الإقالةَ في اللُّغةِ مَوضوعةٌ لِرَفعِ الشَّيءِ، يُقالُ: أقالَ اللَّهُ عَثرَتكَ، يَعني: رَفَعها، وإذا كانَ كذلك وجَب أنْ يَكونَ رَفعًا لِلعَقدِ، وفَسخًا له.

ولأنَّ المَبيعَ عادَ إلى البائِعِ بلَفظٍ لا يَنعقِدُ به بَيعٌ، فوجَب أنْ يَكونَ فَسخًا، كما لو عادَ بالرَّدِّ بالعَيبِ.

ولأنَّ البَيعَ والإقالةَ اختَلَفا اسمًا، فاختَلَفا حُكمًا؛ فهذا هو الأصلُ، فإذا كانَتْ رَفعًا، لا تَكونُ بَيعًا؛ لأنَّ البَيعَ إثباتٌ، والرَّفعَ نَفيٌ، وبينَهما تَنافٍ، فكانَتِ الإقالةُ على هذا التَّقديرِ فَسخًا مَحضًا؛ فتَظهَرُ في حَقِّ الناسِ كافَّةً.


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٣٤٦٠)، وابن ماجه (٢١٩٩)، وأحمد (٢/ ٢٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>