المَسألةُ الرابِعةُ: رَهنُ العَينِ المُستَعارةِ:
لا خِلافَ بينَ العُلماءِ على أنَّه يَجوزُ للإِنسانِ أنْ يَستَعيرَ شيئًا ليَرهنَه؛ لأنَّ الرهنَ تَوثيقٌ، وهو يَحصلُ بما لا يَملكُه بدَليلِ الإِشهادِ والكَفالةِ، ولأنَّ المالكَ رضِيَ بتَعلُّقِ دَينِ المُستَعيرِ بمالِه، وهو يَملِكُ ذلك كما يَملِكُ تَعلُّقَه بذمَّتِه بالكَفالةِ، ولأنَّ الرَّهنَ للاستِيفاءِ، وللمالكِ أنْ يَأذنَ للمُستَعيرِ في إِيفاءِ دينِه، وهذا بإِجماع أهلِ العلمِ، كأَنْ يَستَعيرُ شَخصٌ مِنْ آخرَ عينًا ليَرهنَها في دَينٍ عليه؛ فإنْ وفَّى المُستَعيرُ دَينَه رجَعَت العَينُ المُستَعارةُ لصاحبِها؛ وإلا بِيعَت في الدِّينِ المَرهونةِ بسببِه، ورجَعَ صاحبُها -وهو المُعيرُ- بقِيمةِ العينِ على الذي استَعارَها أو مثلِها إنْ كانَت مِنْ ذَواتِ الأَمثالِ على ما يَأتي بَيانُه.
قالَ ابنُ المُنذرِ ﵀: أجمعَ كلُّ مَنْ نَحفظُ عنه مِنْ أهلِ العلمِ، على أنَّ الرجلَ إذا استَعارَ مِنْ الرَّجلِ شيئًا يَرهنُه على دَنانيرَ مَعلومةٍ عندَ رَجلٍ سمَّاه إلى وقتٍ مَعلومٍ ففعَلَ، أنَّ ذلك جائزٌ (١).
شُروطُ صُحةِ رهنِ المُستعارِ للرهنِ:
إذا أذِنَ المالكُ بالرهنِ فإذنُه بالرهنِ لا يَخلو إما أنْ يَكونَ مُقيَّدًا أو مُطلَقًا.
فإنْ كانَ مُقيَّدًا بأنْ سمَّى قدرًا أو جنسًا أو مكانًا أو إنسانًا يَتقيَّدُ به، فلو أذِنَ أنْ يَرهنَه بجنسٍ لَم يَجزْ له أنْ يَرهنَه بجنسٍ آخرَ؛ لأنَّ قضاءَ الدينِ مِنْ بعضِ الأجناسِ قد يَكونُ أيسرَ مِنْ بعضٍ، فكانَ التقييدُ بالجنسِ مُفيدًا، وكذا
(١) «الأوسط» (٥/ ٦٩٧)، و «الإجماع» (٥٢٣)، و «الإقناع في مسائل الإجماع» (٣/ ١٦٦٠)، رقم (٣٢٤٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute