للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنواعُ العارِيةِ:

العارِيةُ لا تَخلو مِنْ أربَعةِ أَوجهٍ:

أحدُها: أنْ تَكونَ مُطلَقةً في الوقتِ والانتِفاعِ: كمَن استَعارَ دابَّةً أو ثَوبًا أو أرضًا لزِراعةٍ ولَم يُبيِّنْ وقتًا مَعلومًا ولا عيَّنَ مَنْ يَستَعملُه، فله أنْ يَستَعملَه في أيِّ وقتٍ شاءَ في أيِّ مَنفعةٍ شاءَ، ويُركبُ ويُلبسُ غيرَه عملًا بالإِطلاقِ؛ لأنَّ الأصلَ في المُطلَقِ أنْ يَجريَ على إِطلاقِه، وقد ملَّكَه مَنافعَ العارِيةِ مُطلقًا فكانَ له أنْ يَستَوفيَها على الوجهِ الذي ملَكَها، إلا أنَّه لا يَحملُ عليها ما يَعلمُ أنَّ مثلَها لا يُطيقُ مثلَ هذا الحملِ.

قالَ الحَنفيةُ: فلو ركِبَ هو أو لبِسَ ليسَ له أنْ يُركبَ غيرَه ولا يُلبسَه، وكذا لو ركِبَ غيرُه لا يَركَبُ، فأيًّا فعَلَ مِنْ الحملِ والإِركابِ تعيَّنَ في الصَّحيحِ، فليسَ له أنْ يَفعلَ غيرَه، وضمِنَ بغيرِه إنْ عطَبَت؛ لأنَّ ما وقَعَ أولًا تَعيَّنَ مُرادًا بالعَقدِ فصارَ كأنَّه مَنصوصٌ عليه (١).

وقالَ ابنُ قُدامةَ : وتَجوزُ الإِعارةُ مُطلَقًا ومُقيَّدًا؛ لأنَّها إِباحةٌ فجازَ فيها ذلك كإِباحةِ الطَّعامِ، ولأنَّ الجَهالةَ إنَّما تُؤثِّرُ في العُقودِ اللَّازمةِ، فإذا أَعارَه شيئًا مُطلقًا أُبيحَ له الانتِفاعُ به في كلِّ ما هو مُستَعدٌّ له مِنْ الانتِفاعِ به.


(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ٢١٥، ٢١٦)، و «الهداية» (٣/ ٢٢١)، و «العناية» (١٢/ ٢٥٠)، و «الاختيار» (٣/ ٦٩، ٧٠)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٢٩)، و «حاشية ابن عابدين» (٨/ ٣٨٧)، و «مجمع الضمانات» (١/ ١٦٤، ١٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>