للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُكمُ الرُّقبىَ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ الرُّقبَى -على التَّفسيرِ الأولِ لها الذي عليه الجُمهورُ- هل هي صَحيحةٌ، وتَكونُ هِبةً مُؤبَّدةً يَملكُها المُرقَبُ له، وإذا ماتَ تَكونُ لوَرثتِه كغيرِها من أَموالِه، ويُلغَى الشَّرطُ، أو هي فاسِدةٌ، وتَكونُ عارِيةً يَحقُّ للمُرقِبِ أنْ يَرجعَ فيها متى شاءَ، أو هي صَحيحةٌ والشَّرطُ صَحيحٌ، وتَرجعُ إليه بشَرطِه؟

فذهَبَ أبو يُوسفَ من الحَنفيةِ والشافِعيةِ في الجَديدِ والحَنابِلةُ في ظاهِرِ المَذهبِ إلى أنَّ الرُّقبَى صَحيحةٌ، فمَن قالَ لآخَرَ: «أرقَبتُك دارِي؛ فإنْ مِتَّ قَبلي فهي لي، وإنْ مِتُّ قبلَك فهي لك ولوَرثتِك فهي هِبةٌ صَحيحةٌ»، ويُلغَى الشَّرطُ، وهي له حَياتَه يَتصرفُ فيها كيف يَشاءُ ولوَرثتِه من بَعدِه؛ فإنْ لم يَكونوا فلبَيتِ المالِ، ولا تَعودُ للأَولِ بحالٍ كالعُمرَى؛ لعُمومِ الأَدلةِ الوارِدةِ عن النَّبيِّ فيها، ومنها ما رَواه جابِرٌ قالَ: قالَ رَسولُ : «العُمرَى جائِزةٌ لأهلِها والرُّقبَى جائِزةٌ لأهلِها» (١).

وقَولُ النَّبيِّ : «لا تُعمِروا ولا تُرقِبوا، فمَن أعمَرَ شَيئًا أو أرقَبَه فهو له حَياتَه ومَماتَه» (٢). فالنَّبيُّ أجازَ العُمرَى والرُّقبَى


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٣٥٥٨)، والترمذي (١٣٥١)، والنسائي (٣٧٣٩)، وابن ماجه (٢٣٨٣)، وأحمد (١٤٢٩٣).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٣٥٥٦)، والطحاوي (٢/ ٢٤٨)، والبيهقي (٦/ ١٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>