للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفِطرِ غَيرُ مَنسوبٍ إليه في الصُّورتَيْن وهو النِّسيانُ في مَسألةِ الناسي، وظُهورُ الظُّلمةِ وخَفاءُ النَّهارِ في صُورةِ المُخطِئِ فهذا أطعمَه اللهُ وسَقاه بالنِّسيانِ وهذا أطعَمَه اللهُ وسَقاه بإخفاءِ النَّهارِ، ولِهذا قال صُهَيبٌ: هي طُعمةُ اللهِ، ولكنَّ هذا أوْلى؛ فإنَّها طُعمةُ اللهِ إذنًا وإباحةً، وإطعامُ الناسي طُعمَتَه عَفوًا، ورَفعَ حَرجٍ، فهذا مُقتَضى الدَّليلِ (١).

٥ - حُكمُ من شَكَّ في طُلوعِ الفَجرِ فأكلَ أو شَرِب أو جامَع:

ذهَب جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيَّةُ والشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّ من أكلَ أو شَرِب أو جامَع وهو شاكٌّ في طُلوعِ الفَجرِ ولم يَتبيَّنِ الأمرُ فليس عليه قَضاءٌ، وله الأكلُ والشُّربُ والجِماعُ حتى يَتيقَّنَ طُلوعَ الفَجرِ؛ لِقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: ١٨٧] مَدَّ الأكلَ إلى غايةِ التَّبيُّنِ، وقد يَكونُ شاكًّا قبلَ التَّبيُّنِ، فلو لَزِمه القَضاءُ لَحَرُم عليه الأكلُ.

ولَمَّا صَحَّ عن ابنِ عَباسٍ أنَّه قال: «كُلْ ما شكَكت حتى يَتبيَّنَ لكَ» وفي لَفظٍ: «كُلْ ما شَكَكْت حتى لا تَشُكَّ» (٢).

ولأنَّ الأصلَ بَقاءُ اللَّيلِ يَكونُ زَمانَ الشَّكِّ منه، ما لم يَعلَمْ يَقينَ زَوالِه، بخِلافِ غُروبِ الشَّمسِ، أي إنْ أَكَلَ شاكًّا غُروبَ الشَّمسِ ولم يَتبيَّنْ فعليه القَضاءُ؛ لأنَّ الأصلَ بَقاءُ النَّهارِ.


(١) «حاشية ابن القيم على سنن أبي داود» (٦/ ٣٤٦، ٣٤٨).
(٢) رواه عبد الرازق (٤/ ١٧٢)، وابن أبي شيبة (٢/ ٢٨٧، ٢٨٨)، والبيهقي (٤/ ٢٢١)، وقال النَّوَويُّ في «المجموع» (٧/ ٥٠٤): إسناد صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>