للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا الحَديثُ صَحِيحٌ صَريحٌ في أنَّها ليست مِنْ الفاتِحةِ، ولم يُعارِضه حَديثٌ صَحِيحٌ صَريحٌ، وأجوَدُ ما يُرَى في هذا البابِ مِنْ الحَديثِ إنَّما يدلُّ على أنَّه يقرأُ بها في أوَّلِ الفاتِحةِ، لا يدلُّ على أنَّها منها، ولهذا كانَ القُرَّاءُ منهم مَنْ يَقرأُ بها في أوَّلِ السُّورةِ، ومنهم مَنْ لا يَقرأُ بها، فدلَّ على أنَّ كِلَا الأمرَينِ سائِغٌ، لكنَّ مَنْ قرأَ بها كانَ قد أتَى بالأفضَلِ، وكذلك مَنْ كرَّر قِراءَتَها في أوَّلِ كلِّ سُورةٍ كانَ أحسَنَ ممَّن تركَ قِراءَتَها؛ لأنَّه قرأَ ما كَتَبَه الصَّحابَةُ في المَصاحِفِ، فلو قُدِّرَ أنَّهم كَتَبوها على وَجهِ التَّبركِ لَكانَ يَنبَغي أن تُقرَأَ على وَجهِ التَّبركِ، وإلا فكيفَ يَكتُبونَ في المُصحَفِ ما لا يُشرعُ قِراءَتُه، وهم قد جَرَّدُوا المُصحَفَ عمَّا ليس مِنْ القُرآنِ، حتى إنَّهم لم يَكتُبوا التَّأمينَ ولا أسماءَ السُّوَرِ ولا التَّخميسَ والتَّعشيرَ، ولا غيرَ ذلك، مع أنَّ السُّنةَ لِلمُصلِّي أن يَقولَ عَقِبَ الفاتِحةِ: (آمِينَ)؟! فكيفَ يَكتُبونَ ما لا يُشرعُ أن يَقولَه، وهم لم يَكتُبوا ما يُشرعُ أن يَقولَه المُصلِّي مِنْ غيرِ القُرآنِ، فإذا جُمِعَ بينَ الأدلَّةِ الَّشرعيَّةِ دلَّت على أنَّها مِنْ كتابِ اللهِ، وليست مِنْ السُّورةِ (١).

٦ - الجَهرُ والإسرارُ بالبَسمَلَةِ:

ذَهب الإمامانِ أبو حَنيفَةَ وأحمدُ إلى أنَّ الجَهرَ بالبَسمَلَةِ غيرُ مَسنونٍ؛ لحَديثِ أنَس بنِ مالِكٍ قالَ: «صلَّيتُ مع رَسولِ اللهِ وَأَبِي بَكرٍ وَعمرَ وَعُثمانَ، فلم أَسمَع أَحدًا منهم يَقرأُ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾» (٢). ولحَديثِ عَبد اللهِ بنِ المُغَفَّلِ السابقِ.


(١) «مجموع الفتاوى» (٢٢/ ٢٧٦، ٢٧٨).
(٢) رواه مسلم (٣٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>