للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الحَديثَ الصَّحيحَ الذي لا مُعارِضَ له مع بُعدِه عن التَّأويلِ وقُوةِ الدِّلالةِ فيه لمُخالَفتِه لقياسٍ طَرديٍّ (١).

سابِعًا: الوُضوءُ من غُسلِ المَيتِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ مَنْ كانَ مُتوضِّئًا ثم غسَّلَ مَيتًا هل يَنتقضُ وُضوؤُه أو لا؟

فذهَبَ الحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى وُجوبِ الوُضوءِ من غُسلِ المَيتِ، أي: إذا كانَ الإِنسانُ مُتوضِّئًا ثم غسَّلَ مَيتًا انتَقضَ وُضوؤُه سَواءٌ كانَ المَغسولُ صَغيرًا أو كَبيرًا، ذَكرًا أو أُنثى، مُسلمًا أو كافِرًا؛ لأنَّ الغالِبَ فيه أنَّه لا يَسلَمُ أنْ تَقعَ يَدُه على فَرجِ المَيتِ، فكانَت مَظِنةُ ذلك قائِمةً مَقامَ حَقيقتِه كما أُقيمَ النَّومُ مَقامَ الحَدثِ.

وذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ والإمامُ أحمدُ في رِوايةٍ اختارَها ابنُ قُدامةَ وشَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيميةَ إلى عَدمِ وُجوبِ الوُضوءِ على مَنْ غسَّلَ مَيتًا؛ ولأنَّ الوُجوبَ من الشَّرعِ، ولم يَرِدْ في هذا نَصٌّ، ولا هو في مَعنى المَنصوصِ عليه؛ فيَبقى على الأصلِ؛ ولأنَّه غُسلُ آدَميٍّ فأشبَهَ غُسلَ الحَيِّ، ولكنَّ الاستِحبابَ مُتوجَّهٌ ظاهِرٌ فيُستحبُّ أنْ يَتوضَّأَ.


(١) «المغني» (١/ ٢٤٠، ٢٤٤)، و «تنقيح التحقيق» (١/ ٧١)، و «كشاف القناع» (١/ ١٣٠)، و «الإنصاف» (١/ ٢١٦)، و «الأوسط» (١/ ١٣٨، ١٤٢)، و «مجموع الفتاوى» (٢١/ ٢٦٠، ٢٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>