للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا أَتى أَحدُ المُدَّعيَينِ بعَلامةٍ ولمْ يَأتِ الآخرُ:

اختَلفَ الفُقهاءُ فيما لو أَتى أَحدُ المُدَّعيَينِ بعَلامةٍ ولمْ يَأتِ الآخرُ، هل يُلحقُ نَسبُه به أم لا؟

فذهَبَ الحَنفيةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه يُلحقُ به.

قالَ الإِمامُ الكاسانِيُّ : إنْ كانا مُسلِمينِ حُرَّينِ فإنْ وصَفَ أَحدُهما عَلامةً في جَسدِه فالواصِفُ أَولى به عندَنا.

وعندَ الشافِعيِّ يَرجعُ إلى القائِفِ فيُؤخذُ بقَولِه.

والصَّحيحُ قَولُنا؛ لأنَّ الدَّعوتَينِ متى تَعارضَتا يَجبُ العَملُ بالرَّاجحِ منهما، وقد ترجَّحَ أَحدُهما بالعَلامةِ؛ لأنَّه إذا رضِيَ العَلامةَ ولمْ يَصفِ الآخرُ دلَّ على أنَّ يَدَه عليه سابِقةٌ، فلا بدَّ لزَوالِها مِنْ دَليلٍ، والدَّليلُ على جَوازِ العَملِ بالعَلامةِ قَولُه تعالَى عزَّ شَأنُه خَبرًا عن أَهلِ تلك المَرأةِ: ﴿إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨)[يوسف: ٢٦، ٢٨]، حَكى اللهُ تعالَى عن الحُكمِ بالعَلامةِ عن الأُممِ السالِفةِ في كِتابِه العَزيزِ ولمْ يُغيِّرْ عليهم، والحَكيمُ إذا حَكى عن مُنكرٍ غيَّرَه، فصارَ الحُكمُ بالعَلامةِ شَريعةً لنا مُبتدأَةً، وكذا عندَ اختِلافِ الزَّوجينِ في مَتاعِ البَيتِ يُميِّزُ ذلك بالعَلامةِ، كذا ههنا (١).


(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ١٩٩)، و «الهداية» (٢/ ١٧٣)، و «الاختيار» (٣/ ٣٥)، و «العناية» (٨/ ١٨٩)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ١٨٢)، و «اللباب» (١/ ٦٥٨)، و «مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر» (٢/ ٥٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>