وصِفةُ المَحرَمِ أنْ يَكونَ ممَّن لا يَجوزُ له نِكاحُها على التَّأبيدِ، إما بالقَرابةِ أو الرَّضاعِ أو الصِّهريَّةِ؛ لأنَّ الحُرمةَ المُؤبَّدةَ تُزيلُ التُّهمةَ في الخَلوةِ، وسَواءٌ كان المَحرَمُ مُسلمًا أو ذمِّيًّا أو مُشركًا عندَ الحَنفيةِ والشافِعيةِ؛ لأنَّ الذمِّيَّ والمُشركَ يَحفَظانِ مَحارِمَهما، وهي مُحرَّمةٌ عليهما على التَّأبيدِ، إلا أنْ يَكونَ مَجوسيًّا فلا؛ لأنَّه يَعتقِدُ إباحةَ نِكاحِها فلا تُسافرُ معه؛ لأنَّه لا يُؤمَنُ عليها، كالأجنَبيِّ.
وقال الحَنابلةُ: الكافِرُ ليسَ بمَحرَمٍ للمُسلمةِ، وإنْ كانت ابنتَه، قال أحمدُ في يَهوديٍّ أو نَصرانيٍّ أسلَمت ابنَتُه: لا يُزوِّجُها، ولا يُسافرُ معها، ليس هو لها بمَحرَمٍ؛ لأنَّ إثباتَ المَحرَميَّةِ يَقتَضي الخَلوةَ بها، فيَجبُ ألَّا تَثبتَ لِكافِرٍ على مُسلمةٍ كالحَضانةِ لِلطِّفلِ؛ ولأنَّه لا يُؤمَنُ عليها أنْ يَفتِنَها عن دينِها كالطِّفلِ.
ثم إنَّ الحَنفيةَ والحَنابلةَ اشترَطوا في المَحرَمِ أنْ يَكونَ بالِغًا عاقِلًا؛ لأنَّ الصَّبيَّ لا يَقومُ بنَفسِه، وذلك؛ لأنَّ المَقصودَ بالمَحرَمِ حِفظُ المَرأةِ، ولا يَحصلُ إلا من البالغِ العاقِلِ، فاعتُبرَ ذلك (١).
(١) «بدائع الصنائع» (٣/ ٤٩)، و «الاختيار» (١/ ١٥١)، و «المبسوط» (٤/ ١١١)، و «حاشية الدسوقي على الشرح الكبير» (٢/ ٢٠٩)، و «المغني» (٤/ ٣٣٦، ٣٣٩)، و «الفروع» (٣/ ٢٣٩، ٢٤٠)، و «فتح الباري» (٤/ ٧٧).