(٢) قال الإمامُ النَّوَويُّ ﵀ في «شَرحِ مُسلِمٍ» (٨/ ٢٩، ٣٠): قَولُه ﷺ: «قال اللهُ تَعالى: كلُّ عَملِ ابنِ آدَمَ له إلا الصِّيامَ فإنَّه لي وأنا أجْزي به»، اختلَف العُلماءُ في مَعناه، مع كَونِ جَميعِ الطاعاتِ للهِ ﷾: فقيلَ: سَببُ إضافَتِه إلى اللهِ تَعالى أنَّه لم يُعبَدْ أحَدٌ غَيرُ اللهِ تَعالى به، فلم يُعظِّمِ الكُفَّارُ في عَصرٍ من الأعصارِ مَعبودًا لهم بالصِّيامِ، وإنْ كانوا يُعظِّمونَه بصُورةِ الصَّلاةِ والسُّجودِ والصَّدقةِ والذِّكرِ وغَيرِ ذلك، وقيلَ: لأنَّ الصَّومَ بَعيدٌ من الرِّياءِ لِخَفائِه بخِلافِ الصَّلاةِ والحَجِّ والغَزوِ والصَّدقةِ وغَيرِها من العِباداتِ الظاهِرةِ، وقيلَ: لأنَّه ليس لِلصائِمِ ونَفسِه فيه حَظٌّ، قال الخَطَّابيُّ وقيلَ: إنَّ الاستِغناءَ عن الطَّعامِ من صِفاتِ اللهِ تَعالى، فتَقرُّبُ الصائِمِ بما يَتعلَّقُ بهذه الصِّفةِ، وإنْ كانت صِفاتُ اللهِ تَعالى لا يُشبِهُها شَيءٌ، وقيلَ: مَعناه: أنا المُنفرِدُ بعِلمِ مِقدارِ ثَوابِه أو تَضعيفِ حَسناتِه، وغَيرُه من العِباداتِ أظهَرَ سُبحانَه بَعضَ مَخلوقاتِه على مِقدارِ ثَوابِها، وقيلَ: هي إضافةُ تَشريفٍ، كقَولِه تَعالى: ﴿نَاقَةُ اللَّهِ﴾ مع أنَّ العالَمَ كلَّه للهِ تَعالى، وفي بَيانِ هذا الحَديثِ عِظَمُ فَضلِ الصَّومِ والحَثُّ عليه، وقَولُه تَعالى: «وأنا أجزي به» بَيانٌ لِعِظَمِ فَضلِه وكَثرةِ ثَوابِه؛ لأنَّ الكَريمَ إذا أخبَرَ بأنَّه يَتولَّى بنَفسِه الجَزاءَ اقتَضى عِظَمَ قَدرِ الجَزاءِ وسَعةَ العَطاءِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute